بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الاشاعة في المعرفة الاجتماعية
منتدى علم الاجتماع مكناس :: السنة الثانية في علم الاجتماع :: السنة الثانية في علم الاجتماع :: السداسي الثالث
صفحة 1 من اصل 1
الاشاعة في المعرفة الاجتماعية
إعداد الطالبة الباحثون:
عبد العالي الصغيري Abdelaali sghiri
عبد الرحمان السيد Abderrahman essaid
محمد ســـــــــــاسيMohammed sassi
السداسي :3
إشراف الاستاد المحترم:
محمد قسطاني
مسلك علم الاجتماع
تقديم:
تعتبر الإشاعة ظاهرة اجتماعية قديمة ،وليست وليدة اليوم،لازمت الحياة البشرية على الأرض،واتخذت عدة أشكال عبر التاريخ الإنساني،وتطورت بتطور المجتمعات،متلازمة مع حركة الصراع والنزاع والاختلاف،ومصاحبة للأطماع الاقتصادية والعسكرية،ومرافقة للتغيرات الاجتماعية والتحولات السياسية والثقافية،غير أنها أكثر شيوعا وانتشارا مع الحملات العسكرية والحروب،وخاصة اذا كان ذلك احتلالا وليس استعمارا.
وإذا كانت الشائعة مستمدة من الفعل الثلاثي"شاع" فان الإشاعة من الفعل الرباعي"أشاع" وتعني أنها محمولة ومنقولة بواسطة أفراد متطوعين او مكلفين وبالوسائل والأساليب المختلفة التي تجعل منها مادة سهلة الانتشار، سريعة التأثير،فهي تنطلق من جزء من الواقع او خبر او حديث بعيدا عن المصدر او الشكل الذي قيلت فيه وتلوكها الألسن وتتناقلها الأفواه ووسائل الاتصال التقليدية في الحياة اليومية الاجتماعية،ولذلك تستخدم الشائعة(أحيانا) في قياس الرأي العام،فهي عبارة عن استطلاع رأي يتعرف المهتمون من بثها ونشرها وتداولها على طبيعة اتجاه الرأي العام،والتعرف على مواطن الخلل والقوة في بنيان المجتمع،ليكون بذلك سبيلا لوضع الفلسفة السياسية العامة للقضية التي كانت الإشاعة مادتها سواء كانت لإصلاح المجتمع او للإغارة على المجتمع المقابل او المعادي.
مفهوم الاشاعة:
الإشاعة هي عبارة نشر خبر ما بصورة غير منتظمة،وبدون التحقق من صحته،والإشاعة تقوم بنشر الخبر بطريقة شبه سرية،ولا تذكر مصادره،وكثيرا ما تنشر أخبارا وهمية،وقد تكون حقيقية،ولكنها تلبسها كثيرا من التحريف والتحوير الذي يشوه صورة الحدث الأصلي.وهي تعتمد بالأساس على الاتصال الفردي لشيوعها ولسريانها،وهذه الظاهرة الاجتماعية القديمة،قامت بوظيفة الإعلام في فترة زمنية طويلة من حياة المجتمع البشري قبل ظهور الإعلام بمفهومه المعاصر.
يمكن تعريف الإشاعة،بأنها ضغط اجتماعي مجهول المصدر،يحيطه الغموض والإبهام،وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات،وإنما بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار.وقد تعددت التعاريف حول معنى الإشاعة،حيث يرى البعض ان الإشاعة هي ترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع،وهي تعمد في ذلك المبالغة والتهويل او التشويه حين تسرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة،وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي او الرأي العام الإقليمي،لتحقيق أهداف سياسية او اقتصادية او عسكرية على نطاق دولة او عدة دول او على النطاق الدولي بأجمعه.ويرى البعض الآخر ان الإشاعة هي،فكرة يعمل رجل الدعاية على ان يؤمن بها الناس،فهو يعمل على نقلها من شخص الى آخر حتى يذيع مضمونها بين الجماهير..أو هي،معلومة لا يتم التحقق من صحتها ولا من مصدرها،وتنشر عن طريق النقل الشفهي..كما يمكن تعريف الإشاعة بأنها "رواية تتناقلها الأفواه دون التركيز على مصدر يؤكد صحتها".
العلاقة التي تربط الإشاعة بالخبر:
ان موضوع الإشاعة و أبعادها الاجتماعية و النفسية. يحيلنا للدلالات المتغيرة، و التباين الحاصل بين ماهية الإشاعة la rumeur والخبر l’informationو التضليل la désinformation..
.
سنحاول أساسا،التركيز على العلاقة التي تربط الإشاعة بالخبر. نعرف جميعا، أن اختلاف العبارات و الكلمات، قد يؤدي بنا إلى عملية الخلط بين معنى و آخر، ونسقط بالتالي في متاهات فكرية و ثقافية كبيرة. لذلك، لابد لنا من البحث، عن سر مفهوم الإشاعة و معانيها المتحولة و المتغيرة، بتغير العصور و الأزمنة، و نطرح السؤال: ماذا نقصد بالإشاعة ؟
عندما نعود إلى أدبيات الإشاعة والقواميس اللغوية، نستخلص مجموعة من النقاط المهمة المتعلقة بمدلول الإشاعة، فهي أقدم وسيلة إعلام، و الصوت الذي يعبر الأجواء المجتمعية بسرعة فائقة. إنها وليدة الحرب العالمية الثانية، حيث شكل مفهومها الباحثون العاملون في الجيش الأمريكي. الإشاعة وكما ينظر لها "باسكال فرواسار"، "لا زمنية، و تقوم بعملية تحيين للماضي بشكل مستمر، ولا يمكن الإمساك بها، نظرا لخاصيتها المجردة، و كذلك بسبب الالتباس الذي تثيره عندما نود إخضاعها للتنظير.
".لا يهم أن ندقق في كل دلالات مفهوم الإشاعة، لكن الأهم هو أن خلاصة أولية مفادها، أن لفظ إشاعة كانت له معاني كثيرة قبل القرن 19. فالمجتمعات تتبنى تقاليد شفهية في مجال تصريف الأخبار. و لعل العلاقة الرابطة بين الفم والأذن ، قد تجسدت طيلة التاريخ، في خطاب الذات للغير و الآخر. فالمجتمع المغربي عبر عنها مثلا، في ظاهرة "البراح". لكن ، منذ القرن 19 و لحدود الساعة، بدأت تأخذ الإشاعة دلالات متعددة، و من بينها أن الإشاعة تعني الخبر، الذي لا يعرف مصدره، حيث نقول على سبيل المثال: يشاع أن أو الشائع أن (دائما مبني للمجهول)...
الإشاعة هي أيضا نوع من التواصل و التفاعل بين الناس. إنها تعبير عاطفي محلي، و مراقبة مستمرة للجار و الصديق و الزميل و كل أفراد المجتمع المصغر و الكبير. الدلالة اللغوية الفرنسية قديما، ربطت الإشاعة بالسمعة أو الشهرة والشعبية.
لقد أضحى للإشاعة دلالات معاصرة، و انتقلت من معاني المجتمع المصغر، كالأسرة والحي، إلى مجال الإعلام، و اكتسبت بعدا جماهيريا، حيث بدأ الحديث عن ما اصطلح عليه ب"الإشاعة القاتلة". و مع ظهور الإذاعة و التلفزيون وشبكة الانترنيت، حصل نوع من التماهي بين عمل هذه الأجهزة (المؤسسات أيضا) ذات البعد الجماهيري و الفعل المجتمعي . فهذه المؤسسات الإعلامية تقوم بعملية نقل للأخبار، على غرار المجتمع، الذي كان ومازال يقوم أفراده و جماعاته بعملية نقل الإشاع ونشرها.
وتظهر فعالية الإشاعة اجتماعيا في تكرار نقلها بين مجموعة من الناس، لتتحول إلى مادة لمصادر متعددة، تقول نفس الكلام. هذه العملية أدت بالباحثين إلى الاهتمام بالإشاعة، و تم تخصيص علم قائم بها في القرن الماضي. و الغرض هو إخضاع المفهوم إلى التحليل بواسطة عملية التفكير في دلالات الإشاعة سوسيولوجيا و سيكولوجيا، و أبعاد عملها و كيفية اشتغالها داخل مجتمع ما .
وفي علم النفس الاجتماعي على سبيل المثال، يتم ملاحظة السلوك الإنساني الفردي و الجماعي، داخل الحي و العائلة و الشارع و القرية... مع محاولة فهم كيفية نشر هده الإشاعة. فعدد من العلماء درسوا الظاهرة "كإدغار مورال"، في إطار ما يسمى ب"سوسيولوجيا الإشاعة"، و اكتشفوا أن الدوائر و الأوساط المغلقة، كالشرطة و الجيش و القضاء و المدرسين، تعاني من حساسية مفرطة إزاء الشائعات التي ينتجها أفراد المجتمع باستمرار. ولذلك نجد علم الاجتماع، يدرس مثلا الإشاعة، كمجال مغلق للتعبير وإبداء الرأي، و يحاول فهم خطابها وطبيعة انتشارها داخل المجتمع بتلك السرعة الملحوظة.
المصادر في علم الاجتماع، تشير أيضا إلى ضرورة الخروج عن الطريقة التي تحلل الإشاعة، كمعتقد بسيط، وبغية الوصول إلى خلفيات الخطاب، مادام أن إصدار الأحكام يبعدنا حتما عن الذهاب بعيدا إلى ما وراء المقاربة، كتحديد الإشاعة كتواصل مرضي Pathologique،فهم الحقائق.
مهما نقول عن الإشاعة، فإن فعلها الحاضر يتجاوز ما يقال مجتمعيا، و من طرف الباحثين المغمورين بحب اكتشاف الجوهري و الخفي في الظواهر الاجتماعية. الإشاعة تستفزنا، و لا تتركنا مكتوفي الأيدي أمامها، بل تدفعنا إلى فعل التأويل، الذي تظل مملكته، هي منطق الارتياب المفعم بمنطق النسبية. وفي هذا السياق، يضع الباحثون عددا من أنماط التأويل، وهي ثلاثة: التحرير و هي عملية تلخيص قصة الإشاعة، لتليه مرحلة تذويب القصة جماعيا، و تحويلها من طرف المساهمة الفردية في بناء قصة الإشاعة. و أخيرا هناك الشكل النهائي الذي تأخذه الإشاعة كقصة تتناقلها الألسن داخل المجتمع.
يحدد "فيليب ألوران"، الإشاعة و انعكاساتها في نوعين أساسيين : أولا، استفزاز حركة اجتماعية معينة ،و ثانيا، نشر الإشاعة من طرف وسائل الإعلام، وهي توظف من طرف المنظمات و الأحزاب السياسية . في هذا الصدد، يتطرق المتخصصون في مجال الإشاعة، إلى العلاقة بين الصحافي والسياسة و الإشاعة. هذا الثلاثي بات مثيرا و معقدا أكثر مما نتصور. إنها علاقة مليئة بالتوترات و الإشكالات، و خصوصا في بلدان لم ترسخ فيها تقاليد الإعلام المستقل، حيث تنتشر الإشاعة إعلاميا بشكل كبير و مفزع في غالب الأحيان، وبالتالي، تطرح علاقة الصحافي و الإشاعة، الكثير من القضايا المهنية و الأخلاقية الخاصة بعمله الصحفي.
وفي أوروبا و أمريكا، تعد الإشاعة خارجة عن إطار حقل العمل الصحفي، الذي يعتمد على مصادر خبر واضحة، المباشرة منها (حوارات صحفية مثلا ) و غير المباشرة، كوكالات الأخبار مثلا. لكن اعتماد مصادر الأخبار المؤسساتية و المباشرة، لا يعني الوصول إلى الخبر المطلق أو الصحيح أو الصادق . فمنطق التأويل وذاتية الصحافي، و مسلسل تركيب و صنع الأخبار الصحفية داخل غرف الأخبار، يضعنا أمام قضية واردة في عملية نقل الخبر الصحفي للجماهير، بل يطرح إشكالات ما زالت عالقة حتى في البلدان التي خطت فيها الصحافة خطوات مهمة، و هي قضايا يتحاور ويتجادل بشأنها الباحثون و أهل الاختصاص لحد الساعة، كإشكالية الموضوعية و الحياد، وكيفية تشكل الخبر الصحفي و شروط العمل الإعلامي ...الخ
و مقابل هذه الصورة، يعتبر بعض الباحثين أن الإشاعة هي مجرد "بديل " يعوض غياب الحقيقة الرسمية. فالإشاعة تنتشر، عندما تتوقف المؤسسات - التي من المفروض أن تقدم الخبر المضبوط - عن مهامها الحقيقية ، كالإعلام و القضاء و مجال الفكر النقدي. هذه المجالات يجب أن يتم فيها تداول الأفكار و النقد، دون تواطؤ ضد روح الحقيقة العلمية. و على حد قول "مارك بلوخ" خلال الحرب العالمية الثانية، " إن الخبر الكاذب ينشأ عن التمثلات الجمعية التي تتأسس قبل ولادة هذا الخبر. إنه مرآة يكون فيها الوعي الجمعي، ما زال يتأمل في علاقاته الخاصة.
أهــــداف الإشـاعـــة:
تعتبر الإشاعة التي يتم ترويجها بين الناس عن قصد او غير قصد من أهم الوسائل الدعائية،والإشاعة غير المقصودة تسمى" ثرثرة"،ويجد كل من ناقلها او مستقبلها لـذة في روايتها،وقد يجد بعض الناس متعة في رواية الإشاعة،ويكثر ترويج الإشاعات في زمن الحروب أكثر منها في زمن السلم وأوقات الهدوء والاستقرار.،لأن الناس يستولي عليهم الخوف والرعب.وقد أثبتت الدراسات السيكولوجية ان الإشاعات سلاح خطير في أوقات الحروب و الأزمات بصورة خاصة، لأنها تثير العواطف وتترك أثرا عميقا في نفوس الجماهير.
وإذا كانت الحرب النفسية تهدف إلى إشاعة الفرقة والانقسام في صفوف"الخصم"وتحطيم معنوياته،وإلى تقوية الجبهة الداخلية وزيادة تماسكها وإلى كسب ود الدول المحايدة،وتوثيق أواصر الصداقة مع الدول الحليفة،فإن للإشاعات دوراً تؤديه في هذا كله،فالشائعات تلعب دوراً أساسيا في دعم اتجاهات التماسك الداخلي للجبهة الداخلية(الدعاية البيضاء)،وتؤكد الشعور بالعزة والنصر.أما إشاعات الكراهية،فتعمل على شق صفوف"الخصم" وبـث روح اليأس والإحباط بين أفراده،وتسمى تلك"الدعاية السوداء".ولا بد من التذكير في هذا الصدد كيف انتشرت إشاعات الفظائع خلال الحرب العالمية الأولى، واستغل الألمان والحلفاء هذه الإشاعات كل ضد الآخر،وقد اتصلت هذه الشائعات بالتمثيل بالأسري والتنكيل بهم في قحلوة،والهدف من ذلك هو بلبلة الأفكار وإثارة السخط وتهيج الخواطر وزيادة الانفعال،ومن أهم أهــداف الإشاعة التي تسعى لتحقيقها ما يلي:
1ـ تكمن خطورة الإشاعات في أنها تساعد على نشر الخصومة والبغضاء بين أفراد المجتمع تمهيدا لتدمير استقراره النفسي من خلال نشر الفتن وتفكك وحدة المجتمع بحيث يصبح ممزقا وشعبا وتضعف معنوياته.
2ـ العمل على تدمير القوى المعنوية لدى"الخصم" وبث الفرقة والشقاق والإرهاب والرعب ،وتستعمل الإشاعة كستارة"دخان"لإخفاء الحقيقة،كما يمكن استخدامها كطعم لاصطياد المعلومات والحط من شأن مصادر الخصم.
3ـ تلعب الإشاعة دورا فاعلا وخطيرا في أوقات الحروب،لأنها تثير عواطف الجماهير وتعمل على بلبلة الأفكار،ولها دور هام في الدعاية السوداء..
عوامل انتشار الإشاعــة:
أـ تبرز الإشاعة دائما في أجواء الترقب والتوقع،وعدم الاستقرار واللاثقة.
ب ـ وجود أجواء التوتر النفسي التي تخيم على المجتمع.
ج ـ سوء الوضع الاجتماعي والاقتصادي،وتفشي ظاهرة البطالة في المجتمع.
مراحل ظـهور الإشاعــة:
تجتاز الإشاعة قبل ظهورها وانتشارها وسريانها بين الناس ثلاث مراحل هي:
1ـ مرحلة الإدراك الانتقائي:إي إدراك الحدث أو الخبر من جانب شخص أو عدة أشخاص،ويرجع اهتمام هؤلاء بالحدث أو الخبر لمغزاه الاجتماعي في نفوسهم.
2ـ مرحلة التنقيح بالهدف والإضافة:وذلك حتى تتلاءم العناصر المكونة للإشاعة مع بعضها البعض من جهة ومن ثقافة المجتمع من جهة أخرى.
3ـ مرحلة الاستيعاب النهائي والانطلاق والانتشار بين الجماهير:وذلك بعد أن تكون مستصاغة سهلة لاستيعاب متوافقة مع المعتقدات والأفكار والقيم السائدة في المجتمع.
ويخضع انتشار الإشاعة لشرطين أساسيين هما:الأهمية والغموض،ويرتبط هذان الشرطان ارتباطاً (كمياً) بدرجة انتشار الإشاعة حيث أن شدة سريان الإشاعة هي محصلة أهمية الموضوع بالنسبة للأفراد المعنيين ودرجة الغموض المتعلقة بالخبر أو الحدث،فشدة سريان الإشاعة لا يكون حاصل جمع الأهمية+الغموض..وإنما هي حاصل ضرب (الأهمية X الغموض) بمعنى أنه إذا كانت أهمية الخبر"صفراً"أو إذا كان الغموض"صفراً" فلن تكون هناك إشاعة،وإذا كانت طبيعة الإشاعة تتركز في الغموض والأهمية،فيمكن أن نقول،أن فرصة انتشار الإشاعة تزيد كلما ازدادت درجة الانسجام والتناسق بين شكل الإشاعة وصياغتها.كما تزداد سرعة انتقالها كلما كان الوسط الاجتماعي مستعداً لتقبلها،وكلما كان محتوى الجد الذي تحتويه الإشاعة مختصراً،وأخيرا يزداد انتشار الإشاعة،إذا عبرت عن رمز اجتماعي أو نفسي برغبة أو برهبة أعضاء الجماعة.
أنــواع الإشاعات:
تنقسم الإشاعات إلى ثلاث أنواع رئيسة هي:
1- إشاعـة الإسقاط:أي التي تستطيع بها الأنا(الذات)حماية نفسها عن طريق إسقاط رغباتها الشاذة أو المكبوتة على عناصر البيئة الخارجية.
2- إشاعـة التبرير:يعتبر التبرير حيلة نفسية،يلجأ إليها الفرد عندما يعوزه الدليل العقلي والأسباب المنطقية،وهذه الحيلة قد تكون سبباً كافيا لاطلاق الإشاعة
2- إشاعـة التوقع:وهي تنتشر عندما تكون الجماهير مهيأة لتقبل أخبار معينة أو أحداث خاصة مهدت لها أحداث سابقة كإشاعات النصر أو الهدنة في زمن الحرب وغيرها،كما تنقسم الإشاعات إلى أنواع أخرى مثل:
"ـ الإشاعـة البطيئة الزاحفة ـ الإشاعة السريعة الطائرة ـ الإشاعة الهجومية".
أساليب مواجهـة الإشاعــة:
يرى الخبراء في الحرب النفسية والدعاية،ان الإشاعات تمثل جزءا من الحرب النفسية،وان مقاومتها هو جزء من مقاومة الحرب النفسية ذاتها، وان التصدي لظاهرة انتشار الإشاعات في المجتمع،هو مسؤولية جماعية،أي أنها تقع على كاهل كل فرد من أفراد المجتمع من خلال تجنب ترديد الإشاعة ونشرها بين الناس،وإبلاغ الجهات المسئولة عنها فور سماعها،وذلك بهدف القضاء عليها في مهدها،وتقف مباشرة عند ذلك الشخص الذي أبلغ عنها، ليأتيه التوضيح الصحيح من المسؤولين الذين ابلغهم بها.وتجدر الإشارة في هذا الصدد،الى ان القرآن الكريم قد رسم طريقا واضحا للمسلمين في مقاومة إشاعة الإفك،وهي طريق يمكن للمسلمين ان يسلكوه في كل زمان ومكان،ومن ذلك قوله تعالى:"إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هنيا وهو عند الله عظيم،لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم،يعظكم الله ان تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مؤمنين"(سورة النور آية15-17).
ولما كانت الإشاعة من أخطر ما يتهدد الأمة ووحدتها وقواها المعنوية والنفسية،كانت مواجهتها ترتكز على العلم والخبرة، بشكل فعال،لقطع جذورها من نفوس الناس،واقتلاع أثرها،لتبدو وكأنها لم تكن،وكانت هذه المقاومة أمرا على أقصى درجات الأهمية،ومن صور اهتمام الدول بمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة،أنها خصصت لها أكفأ رجالها وأجهزتها الإعلامية والاستخبارية والمنظمات الشعبية والسياسية بهدف كبح جماحهها وفرملة تقدمها وتغلغلها في الأمة ومكافحتها.ومن أهم الإجراءات والأساليب لمقاومة الإشاعات نذكر ما يلي:
1ـ تعاون الجمهور في الإبلاغ عن الإشاعات والذين يروجونها.
2ـ تكاتف وسائل الإعلام من أجل عرض الحقائق في وقتها،ونشر الثقة وتنمية الوعي العام بين الجماهير.
3ـ التوعية والإرشاد لتثبيت الإيمان والثقة،والثقة المتبادلة بين القمة والقاعدة.
4ـ تولي الأمر في مواجهة هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة(الإشاعة) الى أهل العلم والمعرفة والخبرة والخلق والدين.
5ـ ضرورة تفنيد الإشاعة بالحجج والبراهين والأدلة والحقائق الثابتة،من خلال قيام المسؤولين بتكذيبها والبحث عن مصدرها(منبعها الأولي) والقضاء عليها من جذورها،وكشف مروجيها وأغراضهم الخبيثة.
6ـ يتعين على أفراد المجتمع الابتعاد قدر الإمكان عن الإشاعات،وعدم الهروب من الواقع الذي يعيشه الإنسان مهما كان قاسيا ومرا،مع ضرورة العمل المستمر والثقة بالنفس والإيمان بالله والكفاح والصمود،وعدم اليأس وسيادة المودة والمحبة بين أفراد المجتمع.
7ـ العمل على تفحص الإشاعات ودراستها ومن ثم وضع خطة مضادة لها تكون قادرة على احتوائها،وهذا يقع على عاتق الخبراء والعلماء المتخصصين في مجالات علم النفس والاجتماع والإعلام والتربية،إضافة الى خبراء في المجالات الأمنية والاستراتيجية والعسكرية،بحيث يكون من مهام هذا الجهاز دراسة الإشاعات وأبعادها وتأثيراتها على المجتمع،كذلك وضع خطط وبرامج مضادة مثل شن العمليات النفسية ضد"الخصم" وكسر شوكته.
8ـ تخصيص مكتب للاستعلامات، لمقاومة الإشاعة،ويمكن الاتصال به على عدة أرقام هاتفية،بحيث يجيب المختصون على أي استفسار حول الإشاعات التي يتم ترويجها،وبذلك يتم القضاء على الإشاعة في مهدها قبل نشرها على الرأي العام.
وخلاصة القول،ان هناك ضرورة ملحة للتصدي للإشاعات التي هدفها الأول، ضرب أسس المجتمع،من خلال تفحص الإشاعات ودراستها،ووضع خطة مضادة لمقاومتها،والإشاعة تعتمد في الوقت الحاضر على العلوم والنظريات،فالإشاعة ليست بسيطة كما كانت في الماضي،وانما أصبح يشترك في وضعها وتخطيطها خبراء وعلماء في علم النفس والاجتماع والاتصال والطب،ذلك ان الإشاعة المحبوكة جيدا تؤتي نتائجها حتما وتحقق أغراضها في إحداث البلبلة في الرأي العام وتدمير المجتمع من الداخل حتى لا يستطيع المقاومة،ومن ثم يفقد صوابه ويسلم بما هو قائم.
*************************
سبحانك اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم سبحانك اللهم لا فهم لنا الا ما فهمتنا انك انت الجواد الكريم.
عبد العالي الصغيري Abdelaali sghiri
عبد الرحمان السيد Abderrahman essaid
محمد ســـــــــــاسيMohammed sassi
السداسي :3
إشراف الاستاد المحترم:
محمد قسطاني
مسلك علم الاجتماع
تقديم:
تعتبر الإشاعة ظاهرة اجتماعية قديمة ،وليست وليدة اليوم،لازمت الحياة البشرية على الأرض،واتخذت عدة أشكال عبر التاريخ الإنساني،وتطورت بتطور المجتمعات،متلازمة مع حركة الصراع والنزاع والاختلاف،ومصاحبة للأطماع الاقتصادية والعسكرية،ومرافقة للتغيرات الاجتماعية والتحولات السياسية والثقافية،غير أنها أكثر شيوعا وانتشارا مع الحملات العسكرية والحروب،وخاصة اذا كان ذلك احتلالا وليس استعمارا.
وإذا كانت الشائعة مستمدة من الفعل الثلاثي"شاع" فان الإشاعة من الفعل الرباعي"أشاع" وتعني أنها محمولة ومنقولة بواسطة أفراد متطوعين او مكلفين وبالوسائل والأساليب المختلفة التي تجعل منها مادة سهلة الانتشار، سريعة التأثير،فهي تنطلق من جزء من الواقع او خبر او حديث بعيدا عن المصدر او الشكل الذي قيلت فيه وتلوكها الألسن وتتناقلها الأفواه ووسائل الاتصال التقليدية في الحياة اليومية الاجتماعية،ولذلك تستخدم الشائعة(أحيانا) في قياس الرأي العام،فهي عبارة عن استطلاع رأي يتعرف المهتمون من بثها ونشرها وتداولها على طبيعة اتجاه الرأي العام،والتعرف على مواطن الخلل والقوة في بنيان المجتمع،ليكون بذلك سبيلا لوضع الفلسفة السياسية العامة للقضية التي كانت الإشاعة مادتها سواء كانت لإصلاح المجتمع او للإغارة على المجتمع المقابل او المعادي.
مفهوم الاشاعة:
الإشاعة هي عبارة نشر خبر ما بصورة غير منتظمة،وبدون التحقق من صحته،والإشاعة تقوم بنشر الخبر بطريقة شبه سرية،ولا تذكر مصادره،وكثيرا ما تنشر أخبارا وهمية،وقد تكون حقيقية،ولكنها تلبسها كثيرا من التحريف والتحوير الذي يشوه صورة الحدث الأصلي.وهي تعتمد بالأساس على الاتصال الفردي لشيوعها ولسريانها،وهذه الظاهرة الاجتماعية القديمة،قامت بوظيفة الإعلام في فترة زمنية طويلة من حياة المجتمع البشري قبل ظهور الإعلام بمفهومه المعاصر.
يمكن تعريف الإشاعة،بأنها ضغط اجتماعي مجهول المصدر،يحيطه الغموض والإبهام،وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات،وإنما بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار.وقد تعددت التعاريف حول معنى الإشاعة،حيث يرى البعض ان الإشاعة هي ترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع،وهي تعمد في ذلك المبالغة والتهويل او التشويه حين تسرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة،وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي او الرأي العام الإقليمي،لتحقيق أهداف سياسية او اقتصادية او عسكرية على نطاق دولة او عدة دول او على النطاق الدولي بأجمعه.ويرى البعض الآخر ان الإشاعة هي،فكرة يعمل رجل الدعاية على ان يؤمن بها الناس،فهو يعمل على نقلها من شخص الى آخر حتى يذيع مضمونها بين الجماهير..أو هي،معلومة لا يتم التحقق من صحتها ولا من مصدرها،وتنشر عن طريق النقل الشفهي..كما يمكن تعريف الإشاعة بأنها "رواية تتناقلها الأفواه دون التركيز على مصدر يؤكد صحتها".
العلاقة التي تربط الإشاعة بالخبر:
ان موضوع الإشاعة و أبعادها الاجتماعية و النفسية. يحيلنا للدلالات المتغيرة، و التباين الحاصل بين ماهية الإشاعة la rumeur والخبر l’informationو التضليل la désinformation..
.
سنحاول أساسا،التركيز على العلاقة التي تربط الإشاعة بالخبر. نعرف جميعا، أن اختلاف العبارات و الكلمات، قد يؤدي بنا إلى عملية الخلط بين معنى و آخر، ونسقط بالتالي في متاهات فكرية و ثقافية كبيرة. لذلك، لابد لنا من البحث، عن سر مفهوم الإشاعة و معانيها المتحولة و المتغيرة، بتغير العصور و الأزمنة، و نطرح السؤال: ماذا نقصد بالإشاعة ؟
عندما نعود إلى أدبيات الإشاعة والقواميس اللغوية، نستخلص مجموعة من النقاط المهمة المتعلقة بمدلول الإشاعة، فهي أقدم وسيلة إعلام، و الصوت الذي يعبر الأجواء المجتمعية بسرعة فائقة. إنها وليدة الحرب العالمية الثانية، حيث شكل مفهومها الباحثون العاملون في الجيش الأمريكي. الإشاعة وكما ينظر لها "باسكال فرواسار"، "لا زمنية، و تقوم بعملية تحيين للماضي بشكل مستمر، ولا يمكن الإمساك بها، نظرا لخاصيتها المجردة، و كذلك بسبب الالتباس الذي تثيره عندما نود إخضاعها للتنظير.
".لا يهم أن ندقق في كل دلالات مفهوم الإشاعة، لكن الأهم هو أن خلاصة أولية مفادها، أن لفظ إشاعة كانت له معاني كثيرة قبل القرن 19. فالمجتمعات تتبنى تقاليد شفهية في مجال تصريف الأخبار. و لعل العلاقة الرابطة بين الفم والأذن ، قد تجسدت طيلة التاريخ، في خطاب الذات للغير و الآخر. فالمجتمع المغربي عبر عنها مثلا، في ظاهرة "البراح". لكن ، منذ القرن 19 و لحدود الساعة، بدأت تأخذ الإشاعة دلالات متعددة، و من بينها أن الإشاعة تعني الخبر، الذي لا يعرف مصدره، حيث نقول على سبيل المثال: يشاع أن أو الشائع أن (دائما مبني للمجهول)...
الإشاعة هي أيضا نوع من التواصل و التفاعل بين الناس. إنها تعبير عاطفي محلي، و مراقبة مستمرة للجار و الصديق و الزميل و كل أفراد المجتمع المصغر و الكبير. الدلالة اللغوية الفرنسية قديما، ربطت الإشاعة بالسمعة أو الشهرة والشعبية.
لقد أضحى للإشاعة دلالات معاصرة، و انتقلت من معاني المجتمع المصغر، كالأسرة والحي، إلى مجال الإعلام، و اكتسبت بعدا جماهيريا، حيث بدأ الحديث عن ما اصطلح عليه ب"الإشاعة القاتلة". و مع ظهور الإذاعة و التلفزيون وشبكة الانترنيت، حصل نوع من التماهي بين عمل هذه الأجهزة (المؤسسات أيضا) ذات البعد الجماهيري و الفعل المجتمعي . فهذه المؤسسات الإعلامية تقوم بعملية نقل للأخبار، على غرار المجتمع، الذي كان ومازال يقوم أفراده و جماعاته بعملية نقل الإشاع ونشرها.
وتظهر فعالية الإشاعة اجتماعيا في تكرار نقلها بين مجموعة من الناس، لتتحول إلى مادة لمصادر متعددة، تقول نفس الكلام. هذه العملية أدت بالباحثين إلى الاهتمام بالإشاعة، و تم تخصيص علم قائم بها في القرن الماضي. و الغرض هو إخضاع المفهوم إلى التحليل بواسطة عملية التفكير في دلالات الإشاعة سوسيولوجيا و سيكولوجيا، و أبعاد عملها و كيفية اشتغالها داخل مجتمع ما .
وفي علم النفس الاجتماعي على سبيل المثال، يتم ملاحظة السلوك الإنساني الفردي و الجماعي، داخل الحي و العائلة و الشارع و القرية... مع محاولة فهم كيفية نشر هده الإشاعة. فعدد من العلماء درسوا الظاهرة "كإدغار مورال"، في إطار ما يسمى ب"سوسيولوجيا الإشاعة"، و اكتشفوا أن الدوائر و الأوساط المغلقة، كالشرطة و الجيش و القضاء و المدرسين، تعاني من حساسية مفرطة إزاء الشائعات التي ينتجها أفراد المجتمع باستمرار. ولذلك نجد علم الاجتماع، يدرس مثلا الإشاعة، كمجال مغلق للتعبير وإبداء الرأي، و يحاول فهم خطابها وطبيعة انتشارها داخل المجتمع بتلك السرعة الملحوظة.
المصادر في علم الاجتماع، تشير أيضا إلى ضرورة الخروج عن الطريقة التي تحلل الإشاعة، كمعتقد بسيط، وبغية الوصول إلى خلفيات الخطاب، مادام أن إصدار الأحكام يبعدنا حتما عن الذهاب بعيدا إلى ما وراء المقاربة، كتحديد الإشاعة كتواصل مرضي Pathologique،فهم الحقائق.
مهما نقول عن الإشاعة، فإن فعلها الحاضر يتجاوز ما يقال مجتمعيا، و من طرف الباحثين المغمورين بحب اكتشاف الجوهري و الخفي في الظواهر الاجتماعية. الإشاعة تستفزنا، و لا تتركنا مكتوفي الأيدي أمامها، بل تدفعنا إلى فعل التأويل، الذي تظل مملكته، هي منطق الارتياب المفعم بمنطق النسبية. وفي هذا السياق، يضع الباحثون عددا من أنماط التأويل، وهي ثلاثة: التحرير و هي عملية تلخيص قصة الإشاعة، لتليه مرحلة تذويب القصة جماعيا، و تحويلها من طرف المساهمة الفردية في بناء قصة الإشاعة. و أخيرا هناك الشكل النهائي الذي تأخذه الإشاعة كقصة تتناقلها الألسن داخل المجتمع.
يحدد "فيليب ألوران"، الإشاعة و انعكاساتها في نوعين أساسيين : أولا، استفزاز حركة اجتماعية معينة ،و ثانيا، نشر الإشاعة من طرف وسائل الإعلام، وهي توظف من طرف المنظمات و الأحزاب السياسية . في هذا الصدد، يتطرق المتخصصون في مجال الإشاعة، إلى العلاقة بين الصحافي والسياسة و الإشاعة. هذا الثلاثي بات مثيرا و معقدا أكثر مما نتصور. إنها علاقة مليئة بالتوترات و الإشكالات، و خصوصا في بلدان لم ترسخ فيها تقاليد الإعلام المستقل، حيث تنتشر الإشاعة إعلاميا بشكل كبير و مفزع في غالب الأحيان، وبالتالي، تطرح علاقة الصحافي و الإشاعة، الكثير من القضايا المهنية و الأخلاقية الخاصة بعمله الصحفي.
وفي أوروبا و أمريكا، تعد الإشاعة خارجة عن إطار حقل العمل الصحفي، الذي يعتمد على مصادر خبر واضحة، المباشرة منها (حوارات صحفية مثلا ) و غير المباشرة، كوكالات الأخبار مثلا. لكن اعتماد مصادر الأخبار المؤسساتية و المباشرة، لا يعني الوصول إلى الخبر المطلق أو الصحيح أو الصادق . فمنطق التأويل وذاتية الصحافي، و مسلسل تركيب و صنع الأخبار الصحفية داخل غرف الأخبار، يضعنا أمام قضية واردة في عملية نقل الخبر الصحفي للجماهير، بل يطرح إشكالات ما زالت عالقة حتى في البلدان التي خطت فيها الصحافة خطوات مهمة، و هي قضايا يتحاور ويتجادل بشأنها الباحثون و أهل الاختصاص لحد الساعة، كإشكالية الموضوعية و الحياد، وكيفية تشكل الخبر الصحفي و شروط العمل الإعلامي ...الخ
و مقابل هذه الصورة، يعتبر بعض الباحثين أن الإشاعة هي مجرد "بديل " يعوض غياب الحقيقة الرسمية. فالإشاعة تنتشر، عندما تتوقف المؤسسات - التي من المفروض أن تقدم الخبر المضبوط - عن مهامها الحقيقية ، كالإعلام و القضاء و مجال الفكر النقدي. هذه المجالات يجب أن يتم فيها تداول الأفكار و النقد، دون تواطؤ ضد روح الحقيقة العلمية. و على حد قول "مارك بلوخ" خلال الحرب العالمية الثانية، " إن الخبر الكاذب ينشأ عن التمثلات الجمعية التي تتأسس قبل ولادة هذا الخبر. إنه مرآة يكون فيها الوعي الجمعي، ما زال يتأمل في علاقاته الخاصة.
أهــــداف الإشـاعـــة:
تعتبر الإشاعة التي يتم ترويجها بين الناس عن قصد او غير قصد من أهم الوسائل الدعائية،والإشاعة غير المقصودة تسمى" ثرثرة"،ويجد كل من ناقلها او مستقبلها لـذة في روايتها،وقد يجد بعض الناس متعة في رواية الإشاعة،ويكثر ترويج الإشاعات في زمن الحروب أكثر منها في زمن السلم وأوقات الهدوء والاستقرار.،لأن الناس يستولي عليهم الخوف والرعب.وقد أثبتت الدراسات السيكولوجية ان الإشاعات سلاح خطير في أوقات الحروب و الأزمات بصورة خاصة، لأنها تثير العواطف وتترك أثرا عميقا في نفوس الجماهير.
وإذا كانت الحرب النفسية تهدف إلى إشاعة الفرقة والانقسام في صفوف"الخصم"وتحطيم معنوياته،وإلى تقوية الجبهة الداخلية وزيادة تماسكها وإلى كسب ود الدول المحايدة،وتوثيق أواصر الصداقة مع الدول الحليفة،فإن للإشاعات دوراً تؤديه في هذا كله،فالشائعات تلعب دوراً أساسيا في دعم اتجاهات التماسك الداخلي للجبهة الداخلية(الدعاية البيضاء)،وتؤكد الشعور بالعزة والنصر.أما إشاعات الكراهية،فتعمل على شق صفوف"الخصم" وبـث روح اليأس والإحباط بين أفراده،وتسمى تلك"الدعاية السوداء".ولا بد من التذكير في هذا الصدد كيف انتشرت إشاعات الفظائع خلال الحرب العالمية الأولى، واستغل الألمان والحلفاء هذه الإشاعات كل ضد الآخر،وقد اتصلت هذه الشائعات بالتمثيل بالأسري والتنكيل بهم في قحلوة،والهدف من ذلك هو بلبلة الأفكار وإثارة السخط وتهيج الخواطر وزيادة الانفعال،ومن أهم أهــداف الإشاعة التي تسعى لتحقيقها ما يلي:
1ـ تكمن خطورة الإشاعات في أنها تساعد على نشر الخصومة والبغضاء بين أفراد المجتمع تمهيدا لتدمير استقراره النفسي من خلال نشر الفتن وتفكك وحدة المجتمع بحيث يصبح ممزقا وشعبا وتضعف معنوياته.
2ـ العمل على تدمير القوى المعنوية لدى"الخصم" وبث الفرقة والشقاق والإرهاب والرعب ،وتستعمل الإشاعة كستارة"دخان"لإخفاء الحقيقة،كما يمكن استخدامها كطعم لاصطياد المعلومات والحط من شأن مصادر الخصم.
3ـ تلعب الإشاعة دورا فاعلا وخطيرا في أوقات الحروب،لأنها تثير عواطف الجماهير وتعمل على بلبلة الأفكار،ولها دور هام في الدعاية السوداء..
عوامل انتشار الإشاعــة:
أـ تبرز الإشاعة دائما في أجواء الترقب والتوقع،وعدم الاستقرار واللاثقة.
ب ـ وجود أجواء التوتر النفسي التي تخيم على المجتمع.
ج ـ سوء الوضع الاجتماعي والاقتصادي،وتفشي ظاهرة البطالة في المجتمع.
مراحل ظـهور الإشاعــة:
تجتاز الإشاعة قبل ظهورها وانتشارها وسريانها بين الناس ثلاث مراحل هي:
1ـ مرحلة الإدراك الانتقائي:إي إدراك الحدث أو الخبر من جانب شخص أو عدة أشخاص،ويرجع اهتمام هؤلاء بالحدث أو الخبر لمغزاه الاجتماعي في نفوسهم.
2ـ مرحلة التنقيح بالهدف والإضافة:وذلك حتى تتلاءم العناصر المكونة للإشاعة مع بعضها البعض من جهة ومن ثقافة المجتمع من جهة أخرى.
3ـ مرحلة الاستيعاب النهائي والانطلاق والانتشار بين الجماهير:وذلك بعد أن تكون مستصاغة سهلة لاستيعاب متوافقة مع المعتقدات والأفكار والقيم السائدة في المجتمع.
ويخضع انتشار الإشاعة لشرطين أساسيين هما:الأهمية والغموض،ويرتبط هذان الشرطان ارتباطاً (كمياً) بدرجة انتشار الإشاعة حيث أن شدة سريان الإشاعة هي محصلة أهمية الموضوع بالنسبة للأفراد المعنيين ودرجة الغموض المتعلقة بالخبر أو الحدث،فشدة سريان الإشاعة لا يكون حاصل جمع الأهمية+الغموض..وإنما هي حاصل ضرب (الأهمية X الغموض) بمعنى أنه إذا كانت أهمية الخبر"صفراً"أو إذا كان الغموض"صفراً" فلن تكون هناك إشاعة،وإذا كانت طبيعة الإشاعة تتركز في الغموض والأهمية،فيمكن أن نقول،أن فرصة انتشار الإشاعة تزيد كلما ازدادت درجة الانسجام والتناسق بين شكل الإشاعة وصياغتها.كما تزداد سرعة انتقالها كلما كان الوسط الاجتماعي مستعداً لتقبلها،وكلما كان محتوى الجد الذي تحتويه الإشاعة مختصراً،وأخيرا يزداد انتشار الإشاعة،إذا عبرت عن رمز اجتماعي أو نفسي برغبة أو برهبة أعضاء الجماعة.
أنــواع الإشاعات:
تنقسم الإشاعات إلى ثلاث أنواع رئيسة هي:
1- إشاعـة الإسقاط:أي التي تستطيع بها الأنا(الذات)حماية نفسها عن طريق إسقاط رغباتها الشاذة أو المكبوتة على عناصر البيئة الخارجية.
2- إشاعـة التبرير:يعتبر التبرير حيلة نفسية،يلجأ إليها الفرد عندما يعوزه الدليل العقلي والأسباب المنطقية،وهذه الحيلة قد تكون سبباً كافيا لاطلاق الإشاعة
2- إشاعـة التوقع:وهي تنتشر عندما تكون الجماهير مهيأة لتقبل أخبار معينة أو أحداث خاصة مهدت لها أحداث سابقة كإشاعات النصر أو الهدنة في زمن الحرب وغيرها،كما تنقسم الإشاعات إلى أنواع أخرى مثل:
"ـ الإشاعـة البطيئة الزاحفة ـ الإشاعة السريعة الطائرة ـ الإشاعة الهجومية".
أساليب مواجهـة الإشاعــة:
يرى الخبراء في الحرب النفسية والدعاية،ان الإشاعات تمثل جزءا من الحرب النفسية،وان مقاومتها هو جزء من مقاومة الحرب النفسية ذاتها، وان التصدي لظاهرة انتشار الإشاعات في المجتمع،هو مسؤولية جماعية،أي أنها تقع على كاهل كل فرد من أفراد المجتمع من خلال تجنب ترديد الإشاعة ونشرها بين الناس،وإبلاغ الجهات المسئولة عنها فور سماعها،وذلك بهدف القضاء عليها في مهدها،وتقف مباشرة عند ذلك الشخص الذي أبلغ عنها، ليأتيه التوضيح الصحيح من المسؤولين الذين ابلغهم بها.وتجدر الإشارة في هذا الصدد،الى ان القرآن الكريم قد رسم طريقا واضحا للمسلمين في مقاومة إشاعة الإفك،وهي طريق يمكن للمسلمين ان يسلكوه في كل زمان ومكان،ومن ذلك قوله تعالى:"إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هنيا وهو عند الله عظيم،لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم،يعظكم الله ان تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مؤمنين"(سورة النور آية15-17).
ولما كانت الإشاعة من أخطر ما يتهدد الأمة ووحدتها وقواها المعنوية والنفسية،كانت مواجهتها ترتكز على العلم والخبرة، بشكل فعال،لقطع جذورها من نفوس الناس،واقتلاع أثرها،لتبدو وكأنها لم تكن،وكانت هذه المقاومة أمرا على أقصى درجات الأهمية،ومن صور اهتمام الدول بمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة،أنها خصصت لها أكفأ رجالها وأجهزتها الإعلامية والاستخبارية والمنظمات الشعبية والسياسية بهدف كبح جماحهها وفرملة تقدمها وتغلغلها في الأمة ومكافحتها.ومن أهم الإجراءات والأساليب لمقاومة الإشاعات نذكر ما يلي:
1ـ تعاون الجمهور في الإبلاغ عن الإشاعات والذين يروجونها.
2ـ تكاتف وسائل الإعلام من أجل عرض الحقائق في وقتها،ونشر الثقة وتنمية الوعي العام بين الجماهير.
3ـ التوعية والإرشاد لتثبيت الإيمان والثقة،والثقة المتبادلة بين القمة والقاعدة.
4ـ تولي الأمر في مواجهة هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة(الإشاعة) الى أهل العلم والمعرفة والخبرة والخلق والدين.
5ـ ضرورة تفنيد الإشاعة بالحجج والبراهين والأدلة والحقائق الثابتة،من خلال قيام المسؤولين بتكذيبها والبحث عن مصدرها(منبعها الأولي) والقضاء عليها من جذورها،وكشف مروجيها وأغراضهم الخبيثة.
6ـ يتعين على أفراد المجتمع الابتعاد قدر الإمكان عن الإشاعات،وعدم الهروب من الواقع الذي يعيشه الإنسان مهما كان قاسيا ومرا،مع ضرورة العمل المستمر والثقة بالنفس والإيمان بالله والكفاح والصمود،وعدم اليأس وسيادة المودة والمحبة بين أفراد المجتمع.
7ـ العمل على تفحص الإشاعات ودراستها ومن ثم وضع خطة مضادة لها تكون قادرة على احتوائها،وهذا يقع على عاتق الخبراء والعلماء المتخصصين في مجالات علم النفس والاجتماع والإعلام والتربية،إضافة الى خبراء في المجالات الأمنية والاستراتيجية والعسكرية،بحيث يكون من مهام هذا الجهاز دراسة الإشاعات وأبعادها وتأثيراتها على المجتمع،كذلك وضع خطط وبرامج مضادة مثل شن العمليات النفسية ضد"الخصم" وكسر شوكته.
8ـ تخصيص مكتب للاستعلامات، لمقاومة الإشاعة،ويمكن الاتصال به على عدة أرقام هاتفية،بحيث يجيب المختصون على أي استفسار حول الإشاعات التي يتم ترويجها،وبذلك يتم القضاء على الإشاعة في مهدها قبل نشرها على الرأي العام.
وخلاصة القول،ان هناك ضرورة ملحة للتصدي للإشاعات التي هدفها الأول، ضرب أسس المجتمع،من خلال تفحص الإشاعات ودراستها،ووضع خطة مضادة لمقاومتها،والإشاعة تعتمد في الوقت الحاضر على العلوم والنظريات،فالإشاعة ليست بسيطة كما كانت في الماضي،وانما أصبح يشترك في وضعها وتخطيطها خبراء وعلماء في علم النفس والاجتماع والاتصال والطب،ذلك ان الإشاعة المحبوكة جيدا تؤتي نتائجها حتما وتحقق أغراضها في إحداث البلبلة في الرأي العام وتدمير المجتمع من الداخل حتى لا يستطيع المقاومة،ومن ثم يفقد صوابه ويسلم بما هو قائم.
*************************
سبحانك اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم سبحانك اللهم لا فهم لنا الا ما فهمتنا انك انت الجواد الكريم.
منتدى علم الاجتماع مكناس :: السنة الثانية في علم الاجتماع :: السنة الثانية في علم الاجتماع :: السداسي الثالث
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين أغسطس 28, 2023 5:54 am من طرف sghiri
» نظرية النافذة المكسورة
الإثنين أغسطس 28, 2023 5:52 am من طرف sghiri
» تقرير عن ندوة المثقف و المجتمع بمكناس
الأربعاء نوفمبر 12, 2014 2:25 pm من طرف sumaya bakria
» الحكامة الأمنية
الثلاثاء أغسطس 12, 2014 5:02 pm من طرف sghiri
» ما السوسيولوجيا القروية؟
الإثنين فبراير 10, 2014 6:52 pm من طرف زائر
» أسئلة اختبارات علم الإجتماع .... من الفصل الأول إلى الرابع
الإثنين يناير 13, 2014 12:46 pm من طرف sghiri
» عرض في مادة انتروبولوجيا العالم الاسلامي 2009
الأربعاء ديسمبر 04, 2013 12:28 pm من طرف rachidov20
» موقع لتحميل الكتب في مجالات مختلفة
الثلاثاء ديسمبر 03, 2013 6:35 pm من طرف sghiri
» تحميل كتاب المراقبة والمعاقبة ميشيل فوكو
الجمعة نوفمبر 29, 2013 5:26 pm من طرف sghiri