منتدى علم الاجتماع مكناس


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى علم الاجتماع مكناس
منتدى علم الاجتماع مكناس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

سحابة الكلمات الدلالية

مدخل  الاجتماعية  السكان  

المواضيع الأخيرة
» قائمة من الكتب في سوسيولوجية الانحراف
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالإثنين أغسطس 28, 2023 5:54 am من طرف sghiri

» نظرية النافذة المكسورة
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالإثنين أغسطس 28, 2023 5:52 am من طرف sghiri

»  تقرير عن ندوة المثقف و المجتمع بمكناس
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالأربعاء نوفمبر 12, 2014 2:25 pm من طرف sumaya bakria

» الحكامة الأمنية
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالثلاثاء أغسطس 12, 2014 5:02 pm من طرف sghiri

» ما السوسيولوجيا القروية؟
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالإثنين فبراير 10, 2014 6:52 pm من طرف زائر

» أسئلة اختبارات علم الإجتماع .... من الفصل الأول إلى الرابع
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالإثنين يناير 13, 2014 12:46 pm من طرف sghiri

» عرض في مادة انتروبولوجيا العالم الاسلامي 2009
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالأربعاء ديسمبر 04, 2013 12:28 pm من طرف rachidov20

» موقع لتحميل الكتب في مجالات مختلفة
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالثلاثاء ديسمبر 03, 2013 6:35 pm من طرف sghiri

» تحميل كتاب المراقبة والمعاقبة ميشيل فوكو
النّسويّة في النّقد الأدبيّ Emptyالجمعة نوفمبر 29, 2013 5:26 pm من طرف sghiri

نوفمبر 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930 

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




النّسويّة في النّقد الأدبيّ

اذهب الى الأسفل

النّسويّة في النّقد الأدبيّ Empty النّسويّة في النّقد الأدبيّ

مُساهمة  sghiri الإثنين يوليو 30, 2012 10:14 am

[size=24][color=black]النّسويّة في النّقد الأدبيّ
________________________________________
الكاتب/ه: علي مواسي 2011-04-19

النّسويّة في النّقد الأدبيّ
- محاضرة قدّمت في الجامعة الأردنيّة -

* علي نصوح مواسي - شاعر وكاتب من فلسطين

مصطلح " النّسويّة ":
هو المقابل العربيّ للمصطلح الانجليزيّ Feminism، ويشير إلى الفكر الّذي يعتقد أنّ مكانة المرأة أدنى من تلك الّتي يتمتّع بها الرّجل في المجتمعات الّتي تضع كلا الجانبين ضمن تصنيفات اقتصاديّة أو ثقافيّة مختلفة(1).
فالمرأة في نظر النّسويين لا تعامل بقدم المساواة ولا تحصل على حقوقها في مجتمعاتٍ تنظّم شؤونها وتحدّد أولويّاتها وفق رؤية الرّجل واهتماماته، لا لشيئ سوى أنّها امرأة؛ وفي ظلّ هذا النّموذج الأبويّ، تصبح المرأة كلّ شيئ لا يميّز الرّجل، أو كلّ ما لا يرضاه لنفسه، فالرّجل يتّسم بالقوّة والمرأة بالضّعف، والرّجل بالعقلانيّة والمرأة بالعاطفيّة، والرّجل بالفعل والمرأة بالسّلبيّة، وما إلى ذلك(2)..
ذلك المنظور يقرن المرأة في كلّ مكانٍ بالسّلبيّة وينكر عليها الحقّ في دخول الحياة العامّة وفي القيام بدورٍ في ميادين الثّقافة والسّياسة والاقتصاد كما الرّجل وبالتّساوي معه، ومن هنا يمكن القول مجدّدا: إنّ النّسويّة حركة تعمل على تغيير هذه الأوضاع لتحقيق تلك المساواة الغائبة، وهي لا تزعم أنّ النّساء يمتلكن الحقيقة، بل تحاول القول إنّ الرّجال لا يستأثرون بها(3).
وتصرّ النّسويّة على أنّ هذا الظّلم ليس أمرًا ثابتًا أو حتميّا، وأنّ المرأة تستطيع أن تغيّر النّظام الاجتماعيّ، الاقتصاديّ، والسّياسيّ عبر العمل الجماعيّ، وبالتّالي فإنّ مساعي النّسويّة ترمي إلى تحسين وضع المرأة في المجتمع.
أمّا الفكرة الّتي مفادها أنّ الرّجل يمكنه تبنّي موقفٍ نسويٍّ فهي محلّ خلاف؛ فتانيا مودلسكي مثلاً تميّز بين إسهام الرّجل الّذي ينطوي على تحليل وتفكيك السّلطة الذّكوريّة، وبين الرّجل الّذي يقوم بالحديث نيابةً عن المرأة أو انطلاقًا من موقف المرأة.
وفي مجال دراسة الأدب والثّقافة والسّينما، يتّخذ النّقد النسّويّ صورة تحليل آليات الانتاج والاستهلاك المتعلّقة بنصوصٍ أو ممارساتٍ بعينها من منظور نسويّ، علمًا أنّ هناك طرقًا مختلفة للتّناول، جميعها نسويّة، وكلّها تسمح بالتّعدّد في إطار المعارف المختلفة وفي إطار النّسويّة نفسها. تقول ماجي هام في مقدّمة كتاب " الاتّجاهات النّسويّة: مجموعة مقالات " ( 1992 ): تعتبر النّسويّة حركةً متعدّدة الجوانب من النّاحية الثّقافيّة والتّاريخيّة، وقد لاقت أهدافها تأييدًا في شتّى أنحاء العالم، ويمكن تقييم مدى فعاليّة النّسويّة إذا نظرنا إلى الخطاب النّسويّ وإلى مدى تغلغله في التّفكير على مستوى الحياة اليوميّة(4).
وكان الظّهور الأوّل لمصطلح " النّسويّة - feminism " في أدبيّات الفكر الغربيّ عام 1895، أمّا مفهوم المصطلح المتمثّل في فعل نسويّ مطالب بحقوق المرأة فقد بدأ مع نهايات القرن الثّامن عشر..
أمّا اعتماد مصطلح النّسويّة في حقول العلوم الانسانيّة فقد بدأ رسميّا عام 1910، وذلك في مؤتمر دوليّ ساهمت في عقده النّسويّة البارزة كلارا زاتكين، حين أعلن الثّامن من آذار عيدًا عالميّا للمرأة، وهو التّاريخ الّذي اعتمدته عصبة الأمم لإحياء ذكرى العصيان المدنيّ الّذي قامت به العاملات في نيو يورك علم 1895 احتجاجًا على الأوضاع البائسة الّتي كنّ يعانين منها، وقد ماتت فيه بعض هؤلاء العاملات(5).
النّظريّات النّسويّة ومدارسها:
ليست النّسويّة حركةً أحاديّة صمّاء، بل هي مذاهب واتّجاهات، تلتقي أحيانا في أسسٍ مبدئيّةٍ وتفترق في فروع منهجيّة، أو تختلف في الأسس المبدئيّة أحيانا أخرى؛ ولها على اختلافها دورٌ في تكوين النّظريّة النّسويّة في الأدب والنّقد الأدبيّ النّسويّ، نقوم هنا بعرض أهمّها.

أوّلا – النّسويّة اللّيبيراليّة: يعدّ هدا الاتّجاه من أقدم الاتّجاهات النّسويّة، وهو يعتمد على الفكر اللّيبيراليّ عامّة في معالجة المسألة النّسويّة، يشترك في ذلك مع سائر الاتّجاهات النّسويّة الأخرى، ويتّخذ هذا الاتّجاه من الفلسفة الفرديّة وما تستتبعه من تنافسيّة بين الأفراد مرتكزًا ومرجعًا، فنجد الكاتب المنتميَ له يتمسّك بشعار المساواة بين الرّجل والمرأة وكلّ البشر في توفير فرص عملٍ وتحقيق تكافؤ فرصٍ، وتقييم الأعمال دونما تفرقة على أساس لون أو نوع.
وممّا يميّز هذا الاتّجاه أنّ أصحابه يؤمنون بوجوب معالجة المسألة النّسويّة من وجهة نظرٍ واقعيّة، فلا يفضّلون الانخراط في نقاشات حول مسبّبات وأصول التّفرقة النّوعيّة بين الرّجل والمرأة على مستوى العالم وعبر التّاريخ، وإنّما يفضّلون التّعامل مع هذا الوضع بوصفه وضعًا راهنًا.
ومّما يؤخذ على هذا التّيّار، أنّه يؤسّس لانتشار الفلسفة الفرديّة عالميّا، ومن ثمّ فهو تفضيلي قصريّ، ينادي بتوجّهه دون غيره من فلسفات، كما يؤخذ عليه تبسيطه للأمور ونزوعه إلى تخطّي القضايا الشّائكة، مثل قضيّة الاختلافات الثّقافيّة والتّحليل التّاريخي للمشكلات(6).

ثانيًا – النّسويّة الرّاديكاليّة: يدعو هذا التّيّار الأصوليّ المتشدّد إلى الانفصال عن عالم الرّجال والامتناع عن التّعامل معهم وبناء مجتمعٍ للنّساء فقط؛ وهو كما النّظرة الذّكوريّة، يبني توجّهاته انطلاقًا من جسد المرأة، فيقيّم المرأة ويعالج عالمها عبر جسدها.
فبينما يعتبر الذّكوريون الجسد الأنثوي علامةً تدلّ على ضعف المرأة في شتّى الكفاءات والمجالات، مستدلّين بالضّعف العضليّ للإشارة إلى حالة ضعفٍ عامٍّ تنسحب على جميع القدرات العقليّة والثّقافيّة والعلميّة والاجتماعيّة لدى المرأة، فإنّ النّسويين الرّاديكاليّين يرونَ أنّ الجسد الأنثويّ دليل تفوّق المرأة على الرّجل، فهي حافظة الحياة لقدرتها على الإنجاب، تلك العمليّة البيولوجيّة المحتاجةُ قدراتٍ عضليّة فائقةٍ لا يمكن لرجلٍ تحمّلها، وتتمثّل في الحمل والولادة.
نجد أنّ هذا التّيّار يوظّف نفس الأدوات الذّكوريّة في معالجته لثنائيّة الذّكر \ الأنثى، مع فارق أنّه بقلب هذه الثّنائيّة ليثبت أفضليّة المرأة؛ ولهذا نجد كثيرًا من النّسويينَ يرفضون هذا التّوجّه لتكريسه حالة الصّراع بين الذّكور والإناث وإبقائه على الفكر الّثنائيّ التّفضيليّ، الأمر الّذي يؤثّر سلبًا في الحياة الاجتماعيّة.
ويعتمد هذا التّيّار على فكرة " الحتميّة البيولوجيّة " الّتي تذهب إلى أنّ أجسادنا، والّتي لا حيلة لنا في تشكّلها، هي الّتي تتحكّم بمدى نجاحاتنا في حيواتنا، وتحدّد حجم الفرص الّتي يجب أن تتوفّر أو تمنع عن أيّ شخص بسبب بنيته البيولوجيّة وشكله الخارجيّ، سواء كان رجلاً أو امرأةً، أبيضًا أو أسودًا، الأمر الّذي دعا نسويين كثرًا لرفضه والابتعاد عنه.
في مقابل هذا التّيار يتّجه الغالبية العظمى من النّسويين إلى كشف نسق التّفكير والتّركيبات الاجتماعيّة، والثّقافيّة، والاقتصاديّة، والسّياسيّة الّتي أسّست وتكرّس لسياسات التّفضيل النوعيّ والعنصريّ، والمصالح الّتي تخدمها هذه الأفكار والتّركيبات؛ ومن هنا كان إصرارهم على أنّ هذه التّفرقة هي نتاج ثقافي وليس بيولوجيّا، أي أنّ المشكلة لا تكمن في اختلاف أجساد الإناث والذّكور أو لون بشرة البيض والسّود واختلاف أشكالهم، وإنّما تكمن في إسقاطنا بعض الصّفات التّقييميّة الدّاعمة أو المقصية على هذه الأجساد لخدمة مصالح المنتفعين من ذلك الخطاب.
وتتبنّى كلّ من التّيارات النّسويّة الثلاثة التّالية وجهة النّظر هذه القائلة إنّ التّفرقة مبنيّة على المفاهيم الثّقافيّة التي تشكّل المجتمعات، وأنّها ليست حتميّة، وبالتّالي يمكن تغييرها بما يسمح بتحقيق مساواة بين كلّ المجموعات الاجتماعيّة(7).
ثالثًا – النّسويّة الماركسيّة: يؤكّد أصحاب هذا الاتّجاه على البعد الاقتصاديّ في التفضيل النّوعي، ويرون أنّه يخدم مصالح الرأسمالية المستغلّة، فالقول بعدم كفاءة النّساء يسمح باستغلالهنّ من خلال إدخالهنّ وإخراجهنّ إلى ومن سوق العمل بسهولةٍ بدعوى عدم كفاءتهنّ، بينما يكون هذا التّلاعب بأقواتهنّ لخدمة رأس المال؛ كذلك يرى الكتّاب المنتمون لهذا التيّار أن الرّجال عمومًا قد أعادوا إنتاج هذا النّظام المستغلّ في المجال الخاصّ، فالكثير ممّا يقال عن دور المرأة كزوجة وأم يهدف في الأساس إلى تسخيرها للعمل في المنزل دون تقاضي أيّ أجرٍ عن مجهوداتها ووقتها، ويرون أنّ الإنجاب يقوم على شراكة المرأة والرّجل، وبالتّالي فعليهم أيضًا الاشتراك في تنشئة الأبناء، وهم، بطبيعة الحال، يختلفون مع الرّاديكاليين حول هذه القضيّة، فلا يرون أن النساء يستأثرن دون الرّجال بمهمّة الابقاء على الحياة من خلال الإنجاب، وبالتّالي لا يفضّلون طرفًا على الآخر، وإنّما يدعون إلى أن تنسحب هذه الشراكة والمساواة على كلّ ما يقومون به من أعمالٍ ومهامّ في النّطاقين العام والخاصّ، كما يطالبون بضرورة المساواة في الأجور وساعات العمل بين الرّجال والنّساء وعدم إقصاء أيّ منهم من أيّ مجال انتاجيّ بسبب نوعه، والكفّ عن توزيع بعض مجالات العمل حسب النّوع فيدفع الرّجال لأن يكونوا أطباء مثلاً، ويقتصر مجال التّمريض على النّساء(Cool.

رابعًا – النّسويّة ما بعد البنيويّة: ترى معظم المنتميات إلى هذا التيار أن التفرقة النوعية لا هي بيولوجية طبيعبية ولا هي في الأساس اقتصادية استغلالية، وإنما هي كامنة في اللّغة، ما يبرّر انتشارها في شتّى المجالات.
فاللّغة هي الّتي تقوم بعمليّة التّأنيث والتّذكير لكلّ شيئ بما في ذلك الصّفات والجماد والمجرّدات، ومن ثمّ فهي مهد الانقسام، ويتبع هذا الانقسام اللّغوي ويبنى عليه سياسات تفصيليّة متعلّقة بعلاقات القوّة؛ كما ترى المنتميات لهذا التّيّار أنّ " الكيان الواحد "، سواءً كان فردًا أو ثقافةً أو مجتمعًا أو غيره، هو في الأساس كيان جامع لصفات اصطلحنا لغويًّا وثقافيًّا على تأنيثها أو تذكيرها كالذّكاء والحساسيّة مثلاً، والتي درجنا على إلصاقها بالرّجال والنّساء على التّوالي.
في مقابل هذه الرّؤية، ترى الكاتبات من هذا التيار أن الأفراد يمكن أن يجمعوا بين الذّكاء والحساسية مع كونها صفات مجنسة لغويّا، وهنّ يرون أنّ القسمة اللّغويّة الثّقافيّة هي نسق قهريّ يدمّر بعض جوانب الشّخصيّة لكلّ من النّساء والرّجال على حدّ سواء، فمطالبة الرّجل بعدم البكاء لتكتمل رجولته مجتمعيّا، لهو أسلوب كابت قاهر للرّجل، حيث أنّه في الأصل يشترك مع النّساء في القدرة على الإحساس، وبالتّالي فمن حقّه التّعبير عن مكنونه، كذلك هو الأمر عند مطالبة النّساء بعدم التّفكير وإقصائهنّ عن المشاركة في حلّ المشاكل الّتي تتطلّب تعاملاً عقلانيّا، ففي ذلك أيضًا صيغة قهريّة إقصائيّة، فهنّ شأنهن شأن الرّجال، يمتلكن قدرات قد تبدو لغويّا وثقافيّا متناقضة.
وترى نسويات هذا التيار ( وهو الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في الوقت الحالي )، الخروج من ثنائيّة الرّجل / المرأة، إلى ساحة ثالثة جامعة يتمّ فيها الاعتراف بكلّ الصّفات وتقديرها جميعًا دون تمييز، وإقرار إمكانيّة وجود ما قد يبدو متناقضًا. ولذلك نجدهنّ يركّزن على فكرة قبول الاختلاف كنسق ذهني يعمل على التّعايش ويعطل سياسات الصّدام والصّراع، سيما أنهنّ يُعرّفن ساحة الاختلاف هذه التي توجد فيها الأضداد على أنّها الكيان، وهذا الكيان قد يكون التركيبة السيكولوجيّة للفرد أو الثّقافة أو المجتمع أو خلافه؛ فقبول الاختلاف والاعتراف بكلّ جوانب الشّخصيّة دون تمييز يبشّر بحياةٍ أفضل للفرد سواء كان ذكرًا أو أنثى. وهنّ مقتنعات أنّ التّمييز النّوعي وما أنتجه من إشكاليّات اجتماعيّة ونفسيّة هو نسقٌ ثقافيّ ذهنيّ لا علاقة له من قريب أو بعيد بالاختلاف البيولوجيّ بين الذّكور والإناث، والّذي تمّ إسقاط معانٍ كثيرة عليه دون أن تنطق به لا أجساد النّساء ولا الرّجال(9).

خامسًا – النّسويّة السّوداء ونسويّة العالم الثّالث: تبنّت عدد من النّسويّات الملوّنات في الولايات المتّحدة ومن العالم الثّالث، المنظور ما بعد البنيويّ المقرّ بحقّ الاعتراف بالمختلف دون أي حاجة إلى إقصائه أو مواراته أو إبراز الجوانب الأكثر قبولاً على غيرها، عملاً بمعايير ثقافيّة ومجتمعيّة إقصائيّة مجحفة، وركّزن في تعاطيهنّ مع هذه القضيّة على المختلف ثقافيّا.
وهنا يجب التّشديد على أنّ هذا الانتماء هو انتماء اختياريّ غير قصريّ، فليست كلّ امرأة سوداء أو من العالم الثّالث من النّاشطات في هذا التيار بالضّرورة، بسبب " حادث ميلادهنّ " في بلد دون غيره أو بلون دون آخر.
هاجمت النّسويّات المنتميات لهذا التيار كل الحركات النسويّة المنادية بخلق مظلّة واحدةٍ، وأجندة عالمية تشترك فيها وتعمل على تحقيقها كل نساء العالم، سواء كانت هذه الأجندة ليبيرالية أو ماركسية أو راديكيالية، وقد أكدت هده النساء على أن تجاربهن وتورايخهن وقناعاتهنّ الثقافيّة تختلف عن تجارب وتواريخ وقناعات النّساء الغربيّات، فقهرهنّ كان قهرًا مضاعفًا من نتاج ثقافة مجتمعاتهنّ والاستعمار الغربيّ معًا، وهو استعمارٌ نفّده كلّ من الرّجل والمرأة البيضاء، فتاريخيّا مارست المرأة البيضاء القهر على شقيقاتها الملوّنات والجنوبيّات لتبني الأولى تراتبيّة ثقافيّة قائلة بأفضليّة الثّقافة الغربيّة على ما سواها من ثقافات، فحرصت على المشاركة في تصديرها وفرضها على النّساء الملوّنات بدعوى رغبتها بالنّهوض بهنّ، ومن هنا كانت شريكةً كاملة للرّجل الأبيض في استعمار الشّعوب واستعباد الملوّنين.
ولكن يجب التّنويه بأنّ هدا الرّفض لا يعبّر عن ردّ فعل انفعاليّ " أنثويّ " يرمي فقط إلى تصفية الحسابات، إنّما هو توجّه نظريّ في المقام الأوّل، ينطلق من رفض السّياسات القصريّة والتّفضيليّة تحت أيّ مسمّى نهضويّ، فمهما كانت مساحة الاتّفاق على أهميّته، لا يجوز فرض الحلول على الجميع.
وتؤكّد المنتميات لهذا التّيار على خصوصيّتهنّ الثّقافيّة وعلى ضرورة احترام هذه الخصوصيّة، خاصّة وأنّ النّسويّة تقرّ بحقّ الاختلاف مبدأً، وتنادي بحقّ الاختلاف عن الرّجل في حالة الرّاديكاليّات، كما تؤكّد وجود المختلف في الكيان الواحد كما هو الحال مع ما بعد البنيويّات، كذلك تستدعي الكاتبات من هذا التّيّار مفهوم سياسات الموقع، والّتي تقول بأهمّيّة الموقع الثّقافي للمتّحدّث في تشكيل رؤيته أو رؤيتها، فالفكر نتاج اختلاط المفكّر بواقعه.
وتوظّف نسويّات العالم الثّالث والملوّنات هذا المفهوم للتّأكيد على أنّ رؤاهنّ وأطروحاتهنّ المتأثّرة قطعًا بموقعهنّ الثّقافيّ ستنتج رؤى مختلفة، وبذلك سيكون لهنّ دور في إثراء الحركة النّسويّة ذاتها بطرح ما قد لا تراه الغربيّات النّاظرات من زوايا ومواقع ثقافيّة متشابهة، وإن لم تكن واحدة(10).
وهناك مدارس نسويّة أخرى عديدة جدّا، لا يسعنا ذكرها لأنّها لم تكن ذات أثرٍ يلحظ في حقول الأدب والنّقد الأدبيّ، على عكس المدارس السّابقة الّتي أشرنا إليها بشيء من التّفصيل، ومن تلك المدارس: النّسويّة الفوضويّة، النّسويّة المسيحيّة، النّسويّة اليهوديّة، نسويّة البراري، النّسوية الفرنسيّة، والنّسويّة الأمريكيّة، مع أنّ الأخيرتين يمكن أن يضمّا مدرسة أو أكثر من المدارس المشار إليها سابقًا(11).

حول مصطلح النّقد الأدبيّ النّسويّ ومفهومه الأوّل:
كان لآراء النّاقدة الأمريكيّة إيلين شوالتر - Showalter Elain أكبر أثرٍ في إيجاد هذا المصطلح وترسيخه، وذلك في كتابها " نحو بلاغة نسويّة " (1979)، والّذي تصف فيه طرق تصوير المرأة في النّصوص الّتي يكتبها الرّجل، أو حذف هذه الصّورة منها، مستخدمةً مصطلح " النّقد النّسويّ – Feminist Critique " أثناء معالجتها تلك المفاهيم)12).
كما يشير البعض إلى جهود فيرجينيا وولف - Virginia Woolfفي هذا السّياق، معتبرًا إيّاها أم النّقد النّسويّ الغربيّ، لأنّها أوّل من ساهم في تحديد مفاهيمه الأولى، ففي كتابها " A Room Of Ones Own "، والّذي نشر عام 1919، دعت وولف النّساء إلى الشّروع في تأسيس هويّة خاصّة بهنّ، والخروج على البناء الاجتماعيّ القائم، مشيرةً إلى أنّ فقدان الموهبة لدى النّساء ما هو إلاّ نتيجةٌ طبيعيّةٌ لموقف ذلك البناء الاجتماعيّ السّلبيّ من المرأة، وراحت تحثّ النّساء على معالجة مشكلاتهنّ الاجتماعيّة والاقتصاديّة بأنفسهنّ، والتّغلب عليها في سبيل تحرير طاقاتهنّ الابداعيّة والتّعبير عن عاطفتهنّ الانثويّة بصدق من خلال استحضار تجاربهنّ الخاصّة(13).
ويمكن القول إنّ النّقد الأدبيّ النّسويّ هو ذلك النّقد الّذي يهتمّ بدراسة تاريخ المرأة وتأكيد اختلافها عن القوالب التّقليديّة الّتي توضع من أجل إقصاء المرأة وتهميش دورها في الإبداع، ودراسة كيفيّة تأثّر المتلقّي بالصّور الاقصائيّة والاختزاليّة للمرأة(14).
كما يهتمّ بقراءة الأدب بصفة عامّة، ويتتبع ما فيه من صور لكلّ من الرّجل والمرأة، بغية الكشف عمّا فيه من الانسجام مع الأيدولوجيا الأبويّة أو الاختلاف(15).
ومن ذلك كلّه تظهر محدوديّة النّقد النّسويّ في رأي شوالتر، فهو ومع أنّه عظيم الفائدة، يظلّ محدودًا إذا ما قصر على دراسة القوالب التّقليديّة لصورة المرأة، والتّحيّز لجنس الرّجل عند النّقّاد الرّجال، والأدوار المحدودة الّتي تلعبها المرأة في تاريخ الأدب، وبالتّالي لن يسمح لنا بمعرفة شيء عمّا تشعر به المرأة وتعايشه، ولن نعرف إلاّ الصّورة الّتي يعتقد الرّجل أنّ المرأة يجب أن تكون عليها، لذلك تدعو شوالتر إلى نقدٍ أدبيّ نسويّ يركّز على المرأة من خلال تناول نصوصٍ تكتبها المرأة بنفسها؛ وهو نقدٌ يتحقّق لدى شوالتر منذ اللّحظة التي نتحرّر فيها من المنطلقات الخطّيّة الموجودة في تاريخ الأدب الذّكوريّ، فنركّز حينها على العالم الّذي لم يتكشّف للعيان بعد، ألا وهو عالم ثقافة المرأة(16).
إذا فالنّقد الأدبيّ النّسويّ، ومنذ شوالتر، يصبح مهتمًا بمتابعة دور المرأة في إغناء العطاء الأدبيّ، والبحث في الخصائص الجماليّة والبنائيّة واللّغويّة في هذا العطاء(17).
قراءةٌ مضّادة للقراءة الأبويّة:
لا يمكن فصل النّقد الأدبيّ النّسويّ عن الحركة النّسويّة، إذ تمكّنت النّسويّة من التّوحيد بين ما هو سياسيّ وثقافيّ أو أدبيّ، مؤكّدة الرّأي القائل إنّ كلّ نظريّة نقديّة هي نظريّة سياسيّة أصلاً، ذلك أنّ كلّ نظريّة تسعى دائمًا للسّيطرة على الخطاب والتّحكّم به، وبذلك يفسّر ارتباط الظّهور الأوّل للنّقد النّسويّ بنشوء الموجة الأولى من الحركة النّسويّة(18) في الولايات المتّحدة أواخر ستينيّات القرن العشرين(19)، إذ ظهرت حينها دعواتٌ واضحةٌ تنادي بمنح المرأة دورًا أكثر تأثيرًا في النّتاج الأدبيّ، كتابةً وقراءةً، كما استخدمت مصطلحاتٌ جديدةٌ في وصف الأدب النّسويّ أسلوبًا وفحوى، ورافق هذا التّوجّه التفاتٌ نحو التّراث النّسويّ واستخدامٌ لوسائل العلوم الانسانيّة في إبراز التّجربة النّسويّة في مجالات السّياسة، والاجتماع والثقّافة؛ فنجد النّقد الأنجلو – أمريكي يهتمّ بدراسة إبداع المرأة والتّأكيد على خلوّه من كلّ ما ألصق به من خصائص تتعلّق بالعرضيّ والسّطحيّ والهامشيّ، والبعد عن كلّ ما هو جوهريّ، وقد نهضت بهذا الجانب كاتباتٌ متخصّصاتٌ في التّاريخ الحضاريّ والثّقافيّ، فضلاً عن علم الاجتماع وعلم النّفس التّحليليّ، ومن أشهر الكتب الّتي ظهرت في هذا السّياق، كتاب ماري إلمان "التّفكير بالمرأة " (1968)، وكتاب فيلس شيلو " النّساء والجنون "، و كتاب كاتي ميلليت " السّياسة الجنسيّة " (1977)، وقد ذهبت أولئك النّاقدات وغيرهنّ إلى أنّ النّقد النّسويّ ردّة فعلٍ لفعل الصّمت الذّكوريّ المتعمّد الّذي قوبل به إبداع المرأة (20).
ومن مهام النّقد الأدبيّ النّسويّ إقصاء القراءة الأبويّة ( ( patriarchal واستبدالها بقراءة أخرى أكثر صحّة من المنظور النّسويّ، يكون لها حضورٌ مساوٍ للقراءة البطريركيّة الّتي تعكس رؤية الرّجل فقط، إضافةً إلى قيامه بتحليل أدب المرأة وتطوير نماذج وأشكال نقديّة حديثة قائمة على دراسة أدب المرأة وخبرتها بعيدًا عن النّظريّات النّقديّة الّتي وضعها الرّجال، إذ لا يعترف هذا النّقد بالارث النّظريّ، ويصفه بالذّكوريّة، ويسعى إلى إيجاد خطاب أنثويّ حرّ غير مقيّد بذلك الارث، وهو ما تؤكّد عليه شوالتر - Showalter اعتقادًا منها أنّه لا يجوز تبنّي أيّ نظريّة توافق عليها المؤسّسات الاكاديميّة إطلاقًا، فالنّظريّات في تلك المؤسّسات ذكوريّة تمامًا في رأيها(21).
وتذهب النّسويّات إلى أنّ النّظريّات النّقديّة ومنظومات القيم الّتي ينتجها رجال، تمنحهم امتيازاتٍ ليس بمقدورهم التّنازل عنها بسهولة لصالح المرأة، ولذلك يدعون إلى توخّي الحذر أثناء التّعامل مع كلّ نظريّة نقديّة ينتجها رجل، وإن كان بعضها يعالج قضايا المرأة إيجابيّا(22)؛ وبما أنّ كلّ نظريّة نقديّة هي نظريّة سياسيّة، فكلّ واحدة من تلك النّظريّات تحاول السّيطرة على الخطاب والتّحكّم به، كما ترى ماري إيجلتون - Eaglton Mary، وهو رأي يستهوي النّقد النّسويّ عادة، ترفض النّسويّة النّظريّات القديمة وتسعى إلى إيجاد نظريّة خاصّة بهنّ في الأدب أو غير الأدب(23).
ومن هنا جاء نقد النّسويّات لكثير من النّظريّات الأدبيّة، مثل نظريّة نقيضة التّمركز حول القضيب \ Phallo-centric، لـفرويد -Frued، وغيرها، والدّعوة إلى النّظر في مقاييس الأدب القديمة، ومعاييره، وإعادة تشكيلها مع كلّ تغيير في موازين القوى، بين النّاقدات والنّقّاد، ومع كلّ جديد يظهر في نظريّة الجنس، إذ لا يمكن لهذا النّقد أن يعتمد نظريّةً ما على نحو شامل، وثابت، وكلّيّ(24).
وتخلّصًا من سلطة ما يسميّه بـ " النّظريّة الذّكوريّة "، اعتمد النّقد النّسويّ على طروحات جاك دريدا في " الكتابة والاختلاف "، فالنّقد التّفكيكيّ أوّل من بدأ التّشكيك بمبدأ " الارث النّظريّ " في النّقد الأدبيّ، مؤكّدًا أنّ المعنى في أيّ خطاب أدبيّ ناتجٌ عن العلاقة الخلافيّة بين ثنائيّة الحضور والغياب، والتي تسمّى أيضًا بـثنائيّة المعنى المتحقّق والمعنى المرجأ، وانطلاقًا من ذلك راح النّقد النّسويّ يتصدّى لتأويل الأعمال الابداعيّة وإعادة قراءة الأدب بصفة عامّة بدلاً من الاستسلام للتقّويم النّظريّ، متتبّعا صور كلّ من الرّجل والمرأة في تلك الأعمال بغية الكشف عمّا فيها من انسجام أو اختلاف مع الخطاب الأبويّ؛ فمثلاً توضح دراسة أجرتها كاتي ميلليت - kate millet، أنّ الهيمنة الجنسيّة الذّكوريّة تتجلّى في قصص كتّاب غربيين مثل لورنس، وهنري ميللر، وجان جينيه من خلال استعمالهم مفردات ووحدات سرديّة يتبيّن منها أنّ الكاتب يوجّه كلامه إلى قارئ من جنس واحد، ألا وهو الذّكر(25).
وترى كاتي ميلليت أنّ النّتاجات الأدبيّة والنّقديّة، طوال العصور الأدبيّة الماضيّة، قامت على التّفريق بين كاتب وآخر على أساس الجنس، ممّا قاد إلى إغفال أدب المرأة وتهميشه، وتجنّب النّظر إليه عند اشتقاق نظريّات جماليّة، ونقديّة، لاعتماد كلّ تلك النّظريّات على أدب من نتاج الرّجال؛ وبما أنّ المعنى في العمل الأدبيّ غير ثابت، وغير نهائيّ، فيما يذهب إليه جاك دريدا، فإنّه يمكن تجاوز جلّ المعايير والقوالب الجامدة وإيجاد معايير أخرى جديدة، أيّ قراءات جديدة(26).
ولذلك ذهبت ميلليت إلى اعتبار أنّ مقولة " الجنس – Sex " لا تعدو أن تكون مقولة ذكوريّة ونظريّة قديمة عفا عليها الزّمن، ويجب أن تستبدل بها مقولة أخرى هي " الهويّة الثّقافيّة " أو " الجندر –" Gender ، فالجنس يتحدّد بيولوجيّا، أمّا الجندر فهو مفهومٌ ثقافيّ مكتسب، فلا يهمّنا في رأيها إن كان الكاتب ذكرًا أم أنثى بيولوجيّا، لكن الّذي يهمّنا هو كيف نستخلص هويّة المرأة الثّقافيّة من النّصّ، ولذلك نجدها تهاجم علماء الاجتماع الّذين يتناولون الصّفات الانثويّة المكتسبة ثقافيّا، كالسّلبيّة، بوصفها صفات بيولوجيّة طبيعيّة، وتعترف بأنّ المرأة تساهم أحيانًا في ترسيخ هذه الاتّجاهات(27).
لكن ثمّة رأيّ نسويّ يخالف الاجماع النّسويّ على كيفيّة التّعامل مع نظريّات الرّجال، فمن النّسويّات من يرين أنّ خدمة قضايا المرأة لا تتأتّي إلاّ بالانخراط في حقل النّظريّة الموجودة والمستقرّة أوّلا، ثمّ الانطلاق منها نحو خلق وتطوير خطاب معرفيّ ومنهجيّ خاصّ بالمرأة، بل تذهب بعض النّسويّات إلى أبعد من ذلك فيطالبن باستثمار الارث النّظريّ في خدمة النّظريّة الأدبيّة النّسويّة والنّقد النّسويّ، منهنّ الكاتبة توريل موي - Toril Moi، إذ ترى أنّه لا تتوافر احتمالات وخيارات تنظيريّة كثيرة يمكن أن تنبثق منها نظريّة نسويّة منقطعة تمامًا عن نظريّات الرّجال، ثمّ إنّ النّظريّات الرّجاليّة لديها، سيميائيّة أو ماركسيّة، بنيويّة أو نفسيّة أو غيرها، مفيدةٌ جدّا للنٌّقد الأدبيّ النّسويّ، ويجب استغلالها(28).

الوقوع في النّقيض:
ومن المفارقة أنّه ومع شدّة تأكيد النّسويّات على تحرير خطاب المرأة من التّراث النّظريّ النّقديّ الذّكوريّ، إلاّ أنّ كثرًا منهنّ قد وقعن في نقيض ما يدعون إليه، فنجد سيمون دي بوفوار مثلاً، صاحبة مقولة (( الواحدة منّا لا تولد امرأة، بل تصير امرأة ))، متأثّرة في كتابها "الجنس الثّاني " بآراء سارتر الوجوديّة إلى حدّ بعيد(29)، كما نجد النّاقدة توريل موي متأثّرة بآراء ماركس، الّذي استبعد أن تكون النّسويّة من القضايا الرّئيسيّة في فكره، وقد تحدّثت النّاقدة الامريكيّة، هايدي هارتمان، عمّا وصفته بالزّواج التّعيس بين الماركسيّة والحركة النّسويّة، إذ تقدّم الأولى قضايا الصّراع الطّبقيّ على قضايا النّوع، فتهمل معالجة المرأة وشؤونها، والنّسويّة لم تعد قادرة على انتظار تحقّق الثّورة ليتمّ تناول قضايا النّوع جدّيّا، بل إنّ بعض النّسويّات يعتقدن بأنّ الثّورة لن تقوم إلاّ إذا حلّت قضايا النّوع أوّلاً، ثمّ إنّ الشّيوعيّة قد تحالفت مع القوى الأبويّة، ممّا أدّى بالنّسويّات اللّائي كنّ منتميات لها إلى شنّ هجمة قتال عنيفة ضدّها(30).
كما نجد كاتي ميلليت تعتمد كثيرًا على آراء جاك دريدا، صاحب النّظريّة التّقكيكيّة(31)، ونجد ماري وول - Mary Woll متأثّرة بكتابات مفكّري الثّورة الفرنسيّة، فتطوّع كتابتهم لخدمة قضايا المرأة، ومنهم جان جاك روسو، مع أنّ له مواقف جدّ سلبيّة تجاه المرأة(32)، كما أنّ لاكان، الفيلسوف وعالم النّفس، لقي حظوة كبيرة في أوساط النّسويّات الفرنسيّات والفرنكفونيّات، وقد اعتمدن على آرائه في طروحاتهنّ النّسويّة، وقد وصفته جان جالوب بالدّيك وسط دجاجات يسعين لإرضائه، ثمّ سرعان ما بدأن هجومهنّ عليه(33)، وقد اعتبرت النّاقدة هيلين سيسو -Helen Cixous النّظريّة النّفسيّة الفرنسيّة للاكان رؤية ذكوريّة للعالم، تفترض سيطرة الذّكر، وتدعم النّظام القائم على الذّكورة باعتبارها دلالة قوّة، وتوافق النّاقدة لوسي إريجاري زميتلها سيسو في رأيها ذلك، إلاّ أنّنا نجد الأولى تعتمد على آراء لاكانحول مفهوم الخياليّة، وذلك في محاولة إثباتها تميّز العقل النّسائيّ من باب أنّ خياليّته أكثر حيويّة وخصوبة وحركيّة ممّا هي عليه في لدى الرّجل(34).
وتعبّر ماري جاكوب في كتابها " قراءة المرأة " عن تأثّر النّسويّات بنظريّات الرّجال تأثّرًا كبيرًا، إذ تقول إنّه كان من النّادر كتابة نقد أدبيّ نسويّ في الثّمانينيّات دونما اعترافٍ بتأثير النّقّاد الفرنسيين أو الفرانكفونيين(35).
ولعلّ أكثر ما يدهش، ما وقعت فيه شوالتر من تناقض ما بين التّنظير والتّطبيق، فهي معروفة بشراسة تهجّمها الّذي يبلغ حدّ التّهكّم على النّسويّات لاعتمادهنّ على نظريّات الرّجال، فقد اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على آراء عالميّ الاجتماع إيدوين وشيرلي آردينير – Edwin & Shirly Ardener من جامعة أوكسفورد، واللّذين اعتبرا النّساء جماعة صامتة تتطابق ثقافتها وحقيقتها مع ثقافة وحضارة جماعة الرّجال المهيمنة، ولم ينظرا إليهنّ باعتبارهنّ مواطنات لهنّ أجواؤهنّ المنفصلة، وهي الّتي جعلت الموضع الثّقافيّ محدّدًا للهويّة الأدبيّة النّسائيّة؛ ويؤخذ عليها أيضًا اعتمادها على نص جيفري هارتمان(36).
مراحل الكتابة النّسويّة:
جعل الباحثون للكتابة النّسويّة الغربيّة أربع مراحل أساسيّة، وذلك وفقًا لتطوّر أشكال التّصدّي للّثقافة والسّلطة الذّكوريّتين، هي(37):
1. مرحلة " التّأنيث - Feminine " ( 1840 – 1880 ): وقد قلّدت الكاتبات النّسويّات خلال هذه المرحلة الرّجال في كتاباتهم، وذلك عن طريق امتصاص المعايير الجماليّة الذّكوريّة المهيمنة كالاحتشام والالتصاق بالحلقة الاجتماعيّة العائليّة، وتقبّل القيود الفنّيّة والاجتماعيّة في التّعابير الادبيّة تجنّبا للفظاظة والمجون.
2. مرحلة " النّسويّة - Feminist " ( 1880 – 1920 )، وفيه طالبت المرأة بالمساواة بين الجنسين وتحسين ظروف العمل ومنحهنّ حقوقهنّ المدنيّة، وبالمشاركة السّياسيّة، وما إلى ذلك..
3. مرحلة " الأنثويّة - Female " ( 1920 فصاعدًا )، وفيه اتّضح التّمايز في الوعي والتّجربة النّسويّة تجاه وعي الذّكورة وتجاربها، ، ففي هذه المرحلة ركّزت النّسويّة على الفروق بين الجنسين، وعلى إسهامات النّساء الحضاريّة المميّزة، وخصوصيّة لذّتهنّ الجنسيّة، وخصوصيّة كتابتهنّ، فالنّساء يكتبن على نحو مختلف لا لاختلافهنّ بيولوجيّا أو نفسيّا عن الرّجال، بل لاختلاف تجاربهنّ الاجتماعيّة.
وتضيف جوليا كريستيفا لتلك المراحل الثّلاث، والّتي تعتبرها إيجابيّة، مرحلةً رابعة سلبيّة، هي: مرحلة الانزلاق الدّوغمائيّ اليساريّ في تشكيل نواة سطلويّة نقديّة تنتظم حول امرأة " زعيمة " لا تختلف عن أيّ زعيم رجل(38).
ما الكتابة النّسويّة؟
يحاول النّقد الأدبيّ النّسويّ إيجاد تعريفٍ علميّ ودقيق لما يسمّى " كتابةً نسويّة "، إلاّ أنّه لم ينجح في بلوغ ذلك إلى الآن، ذلك أنّ تصوّر مفهوم تلك الكتابة أمرٌ عسير، لأنّ هويّة المرأة نفسها غير قابلة للحصر، متمدّدة ومتشعّبة ومتنوّعة، وبالتّالي فإنّ أيّ كتابة يمكن أن توصف بالنّسويّة لا يمكن لها أن تحيط بتلك الهويّة، وإن افترضنا لتلك الكتابة وجودًا حقيقيّا فإنّنا نكون قد قيّدناها بتعريفاتٍ قد تضيق عنها، ويستخدم لتوصيف هذه الاشكاليّة عادةً مصطلح ( اللاّ ممكن تحديده Undecidability - )، وهو مصطلح نقديّ.
من أهمّ من يطرح ذلك الرأّي النّاقدة لوسي إرجاري وجوليا كريستيفا، وهما تذهبان أيضًا إلى أنّ محاولة تحديد مفهوم للكتابة النّسويّة يؤدّي إلى وضع المرأة والرّجل في إطار تكوينيهما البيولوجيّين، وهو أمر غير مقبول أبدًا لدى النّسويّات المعارضات للماهويّة البيولوجيّة(39).
ويذهب النّقد الأدبيّ النّسويّ إلى تخطئة وصف الأعمال الأدبيّة المتعلّقة بالمرأة بأنّها نسويّة لمجرّد إقبال المرأة على قراءتها، فمنها ما لا يتعاطف أبدًا مع المرأة بل ويتّخذ مواقف ضدّها، ومع ذلك نجد كثيرًا من النّساء يقبلن على قراءتها، كذلك لا يمكن وصف الأعمال الّتي تكتبها النّساء أو الّتي تكتب عنهنّ بالنّسويّة للسّبب ذاته(40).
ويمكن معرفة أهمّ سمات ما يسمّى بـ " الأدب النّسويّ " من خلال الوقوف على ما جاء في كتاب النّاقدة النّسويّة ماري إيجلتون: "النّظريّة الأدبيّة النّسويّة "، إذ يعتبر الأدب نسويّا إذا عبّر النّصّ الأدبيّ عن تجربة المرأة الخاصّة وواقع حياتها بشكل صادق ومخالف للأنماط الّتي صوّرت بها المرأة طويلاً، والّتي تنافي إلى حدّ بعيد الحقيقة والواقع.
ونجد أنّ النّصوص الّتي تقتبسها إيجلتون وتوظّفها في كتابها، أو تلك الّتي تكتبها بنفسها، تستخدم عددًا من المصطلحات الّتي يمكن اعتبارها مهمّة عند الحديث عن أدب نسويّ، منها:
الموثوقيّة - Authenticity، الحقيقة - Truth، التجربة - Experience، واقعيّ - Realistic، هويّة - Identity، أصيل – (41)Authentic.
وإذا كان النّقد النّسويّ يرى وجوب تناول موضوعات المرأة بطريقة تساهم في بيان التّجربة الانثويّة وتعريف النّاس بها، فإنّ أبلغ من يتحدّث في الموضوعات الخاصّة بالمرأة في رأيه، هي المرأة نفسها، إذ إنّ النّساء وحدهنّ يعانين تجارب الحياة الانثويّة النّوعيّة، وهنّ وحدهنّ اللائي بمقدورهنّ الحديث في شؤون بنات جنسهنّ بتفاصيلها الفكريّة والانفعاليّة الخاصة بهنّ، فالمرأة ترى الأشياء من منظورٍ مختلفٍ مرتبطٍ بذاتها وبتجربتها الّتي تعيشها بنفسها وليس كما ينظر إليها الرّجل، وتختلف مشاعرها وأفكارها إزاء ما هو مهمّ وغير مهمّ، ولذلك يجب أن يقرأ الأدب قراءة نسويّة تدرس التّمثيل الأدبيّ لتلك الاختلافات في كتابة المرأة، ويكون بمقدورها تمييز الجوانب الّتي لم يكن النّاقدُ معنيّا بها أو بملاحظتها أصلاً، على أن تكونَ قراءةً متحرّرةً من تحكّم الرّجل في الخطاب، ومتحرّرةً من الضّعف، والتّردّد، والتّركيز على المبتذل والتّافه، وهي سمات الخطاب النّسائيّ السّائد كما جاء لدى روبين لاكوف(42)، ويطلق على من يقوم بقراءة الأعمال الأدبيّة تلك القراءة اسم " ناقد\ة الخصائص النّسويّة "(43).
كما تؤكّد باتريشا سباكس – Patricia Spacks على أنّ النّقد النّسويّ هو ذلك النّقد الّذي يهتمّ اهتمامًا كبيرًا لطبيعة التّجربة الانثويّة داخل النّصّ(44).
وعلى ضوء ذلك يمكننا القول إنّ التأكيد على التجربة الانثويّة الخاصّة لدى النّقادات النّسويّات يعدّ معلمًا واضحًا من معالم الأدب النّسويّ.
فمعالجة موضوعات مثل الزّواج والاستقرار والطّلاق، والعذريّة والأمومة وقضايا الأرامل والاغتصاب والإنجاب ورعاية المنزل، وما إلى ذلك من أمور تتعلّق بالمرأة، هو ما تريده النّاقدات النّسويّات من النّصّ الأدبيّ، واللّائي يدعون النّساء للإقبال على قراءة المرأة كونها امرأة، ويطالبن النّاقدات النّسويّات بتوجيه القارئات ومساعدتهنّ على الاستمتاع بقراءة الأدب النّسويّ، وممّن يذهبن إلى ذلك النّاقدة النّسويّة ماغي هوم - Maggie Humm في كتابها: " النّقد النّسويّ: المرأة كناقدة معاصرة "، بينما ترفضه أخريات رفضًا مطلقًا مثل شولميت فايرستون - Shulamith Firestone، الّتي تذهب في كتابها " جدل الجنس " إلى رفض التّأكيد على طبيعة الاختلاف الانثويّ على اعتبار أنّ أيّ شيء يفرّق بين المرأة والرّجل مؤدّاه اللاّ مساواة والقمع، ولذلك نجدها تتمنّى أن يأتي يومٌ يتمكّن فيه التّطوّر العلميّ إعفاء المرأة من الانجاب على الإطلاق لتتحقّق المساواة التّامّة بين الذّكر والأنثى(45).
ما الكتابة الانثويّة؟
لا مفرّ من الدّخول في ثنائيّة البيولوجيا والبعد الاجتماعيّ متى دار الحديث عن كتابة الرّجل وكتابة المرأة، فنجد الذّكوريين يركّزون على الجوانب البيولوجيّة سعيًا منهم لإبقاء المرأة في مكانتها، بينما تركّز عليها بعض النّسويّات الرّاديكاليّات للإعلاء من شأن الصّفات البيولوجيّة للمرأة بوصفها مصادر للتّفوّق لا الدّونيّة، فنجد أنفسنا لا نزال في نفس الأجواء المتطرّفة الاقصائيّة، وفي ذلك تناقضٌ كبيرٌ مع مبادئ الفكر النّسويّ الليبيراليّ الّذي يدعو إلى احتواء الآخر والانفتاح عليه(46).
تؤكّد النّسويّة الرّاديكاليّة على الفضيلة الانثويّة والأمومة والمؤهلات البيولوجيّة الخاصّة بالمرأة، إذ تعتقد أنّ الاختلافات الجنسيّة هي ما تجعل الحياة الانسانيّة متوازنة، ولذلك نجدها تحتفي بعلاقة المرأة بالطّبيعة وبصورة الخصب المرتبطة بها دومًا لدورها في التّناسل والانجاب، وبالتّالي فهي تفترض وجود أنوثة جوهريّة يمكن استحضارها في النّصّ الأدبيّ، وأنّه من الممكن التمييز بين الكتابة الانثويّة والأشكال اللّغويّة الأخرى على أسس غرائزيّة وفطريّة(47).
وقد تطرّقنا سابقًا إلى رأي كاتي ميلليت حول التّأكيد والتّركيز على الاختلافات البيولوجيّة، إذ تجد ذلك أمرًا خطيرًا جدّا، خاصّة حين تستخدم تلك الاختلافات مبرّرًا لمعاملة الأنثى على أنّها أدنى من الذّكر منزلةً، فيحجر على النّساء في الحياة المنزليّة والأسريّة بممارسة القوّة ضدّهنّ، ولذلك نجدها تدعو إلى الخروج على القوالب الجنسيّة وأدوار الجنس في المجتمع الّتي تعبّر عن علاقة غير متكافئة ركناها سلطةٌ وتبعيّة، والّتي كانت سببًا في إخضاع النّساء لعصورٍ طويلة (48).
وتميّز النّاقدة النّسويّة هيلين سيسو - Helen Cixous بين رؤية ذكوريّة وأخرى أنثويّة في اللّغة والأدب، وترى أنّ هناك ما يسمّى بروح نسائيّة يمكن أن تتواجد في نصوص ينتجها رجال، مع تأكيدها على أنّه من النّادر أن يكتب رجلٌ بنمط يعارض الرّغبة الذّكوريّة في السّيطرة ودوام التّفوّق؛ وهي كما ميلليت، تعارض بشدّة التّوجّهات القائمة على أساس بيولوجيّ، وترفض الاعتراف بوجود لغتين إحداهما للذّكر وأخرى للأنثى يحتّمهما الجنس، فهي تخشى أيضًا من أنّ التّرويج للغة أنثويّة لها علاماتها ومحدّداتها البارزة، قد يمنح للذّكوريين المزيد من الفرص لاضطّهاد المرأة وإلقاء اللّوم عليها(49).
جوليا كريستيفا أيضًا تضيف صوتها إلى جماعة المعارضات للتّوجّه النّسويّ الرّاديكاليّ في تحديد مفهوم " الأنثويّة – feminity"، فالآراء التّفكيكيّة الّتي تتبنّاها تجعلها تخرج على مفهوم الهويّة نفسه، فلا اعتراف لديها لا بهويّة ذكريّة ولا بهويّة أنثويّة، فمفهوم الهويّة المطلق أمر ينتمي إلى مرحلة ما قبل التّفكيكيّة، مهما كانت ماهيّة الهويّة، جنسيّة، اجتماعيّة، أو نفسيّة، وبالتّالي فالانثويّة برأيها من نتاج منظومة الفكر الأبويّ الذّكوريّ الّتي تحكّمت دائما بعلاقات القوى الاجتماعيّة وحدّدتها بما يتلاءم معها، والّتي أرادت دومًا أن تظلّ المرأة في موضع هامشيّ ضمن علاقات القوى الرّمزيّة في المجتمع الابويّ، وما الاختلافات الّتي تظهر بين الجنسين إلاّ نتاج الجدل بين آليّات التّوليد اللّغويّة وحركة القوى الحاكمة التي تظهر هذه الاختلافات وتحرص على تأكيدها وتكريسها(50).
أمّا التّمييز الّذي تفضّله النّسويّات عمومًا بين الكتابة الذّكوريّة والانثويّة، فيعتمد على معيار (( السّلطة Authority - )) في التّشخيص، وهو عنصر من عناصر الخطاب، وليس أمرًا بيولوجيّا ولا علاقة له بالجنس، ولذلك فالنّسويّات الرّافضات الاعتراف بوجود كتابتين على أساس الجنس، مذكّرة ومؤنّثة، يوافقن على هذا التّمييز.
نجد ماري إلمان - Mary Ellman و نورمان ميلر - Norman Mailer يشخّصان الكتابة من خلال توظيف معيار السّلطة، فتصف إلمان كتابة النّاقدة سيمون دي بوفوار بالذّكوريّة بسبب نبرتها السّلطويّة الواضحة، فهي ترى أنّ الصّوت الذّكوريّ ليس محصورًا في جنس الذّكور، كما هو الحال أيضًا مع الصّوت الانثويّ، فهو ليس محصورًا في جنس النّساء، ولكن عادةً ما تكون النّبرة السّلطويّة غائبة تمامًا في الخطاب الأنثى وبالتّالي في كتابتها(51).
أمّا ميلر فيحاول تحديد مميّزات للكتابة الانثويّة غير غياب معيار السّلطة منها، فيقول إنّها مزيج من حكمة وطيش وبعد نظر وتهوّر وجرأة وتهكّم، ونجده يشجّع ويثني على الكتابة الّتي تضع نفسها في مواجهة صداميّة مع خطاب السّلطة المميّز للكتابة الذّكوريّة(52).
أدّت تلك الآراء بالنّقد النّسويّ للاعتقاد أنّ الكتابة الانثويّة تسعى إلى هدم الخطاب الأبويّ المسيطر منذ آلاف السّنين، وطالما أنّه ارتبط دومًا بالرّجل، فمن الطّبيعيّ أن ترتبط الكتابة الانثويّة بالمرأة بالدّرجة الأولى، مع أنّ ذلك لا يمنع وجود كتابات للرّجال يمكن وصفها بالانثويّة وإلحاقها بها، وقد وظّفت النّسويّات نصوصا لأولئك الرّجال لدعم رفضهنّ الاعتراف بلغة تخصّ المرأة، وبالتّالي حصر الكتابة الانثويّة في المرأة وحدها(53).
هناك من يرى أنّ للمرأة أساليب وطرائق خاصّة في صياغة المجازات وانتقاء الصّور، والبعض يرى أنّ تلك الأساليب الخاصّة نابعة من بيولوجيّة المرأة، خصوصًا أتباع النّقد الأمريكي، فيجعلون للمرأة ميلاً غريزيّا لصور معيّنة أو أشكال لغويّة محدّدة، وفي المقابل نجد من يطرح تفسيرات اجتماعيّة وثقافيّة لخصوصيّة استعارات المرأة ومجازاتها، مثل أن نجد صورة الطّائر تتكرّر في روايات المرأة، أو صورة العصفور في قفص، محاولين الرّبط بين الكتابة الانثويّة وتلك الصّور(54).
أمّا " الكتابة الانثويّة " مصطلحًا نقديّا في المعجم النّسويّ، فيقتصر على نوع معيّن من الكتابة النّقديّة النّسويّة التي نبعت من نسويّة النّاقدات الفرنسيّات المعاصرات، مثل لوسي إريجاري وهيلين سيسو وجوليا كريستيفا، ويتميّز هذا الشّكل من النّقد النّسويّ باعتقاده أنّ هناك مجالاً لإنتاج النّصوص يمكن أن يسمّى ( إنتاجًا أنثويّا )، ولكنّه مستترٌ تحت سطح الخطاب المذكّر ولا يظهر إلاّ من حين لآخر على صورة انشطارٍ في اللّغة المذكّرة، وثمّة افتراض آخر بأنّ المرأة تعطى هويّة معيّنة في إطار البنيات الذّكوريّة للّغة والسّلطة وأنّها يجب أن تسعى للتّصدّي لهذه الهويّة المفروضة(55).
زيادة وعي المرأة وتحقيق مبدأ التّآخي:
يطالب النّقد الأدبيّ النسّويّ بتوظيف الأدب لزيادة وعي العنصر النّسائيّ، فيوفّر العمل الرّوائيّ مثلاً، مساحةً تسمح للمتلقّيّة أن تقارن مشكلاتها مع مشكلات الشّخصيات في الرّواية، من دون أن تطرح المؤلّفة حلولاً صريحةً من خلال تلك الشّخصيّات، بل يترك الأمر للمتلقّية لتحلّل وتشخّص أسباب المشكلات من خلال المقارنة، ثمّ تتّخذ حلاّ مناسبا.
ولتحقيق ذلك، ينصح النّقد النّسويّ الرّوائيّات بصياغة شخصيّات من واقع حياة النّساء، تتماهى معها الأخيرات ويحسسن بالتجارب المشتركة لدى الطّرفين، وينصح كذلك بالاستغناء عن المبالغة في تصوير اضطّهاد النّساء وقمعهنّ وإظهارهنّ بصورة الضّحيّة المتألّمة دومًا، لدرجة يغدو معها من الصّعب تصديق ما يقرأ وبالتّالي لا يحصل أيّ تعاطف بين القارئ والشّخصيّات، فلا يمكن قبول كلّ رواية واعتبارها نسويّة لإظهارها المرأة ضحيّة عاجزة، كما تقول إريكا يونغ - 56)Erica Jong).
كما تطمح النّسويّة لخلق مجتمع إنسانيّ متآخ، وإقصاء التّوتّر والضّغينة من منظومة العلاقات البشريّة، وخصوصًا العلاقات بين النّساء، إذ لاحظت فرجينيا وولف أنّ علاقات النّساء في عالم الأدب يسودها الاضطّراب وتداخلها الكراهيّة الّتي قد تكون نابعةً من عزلة النّساء أو المنافسة فيما بينهنّ.
وتحقيق ذلك ممكن باللّجوء إلى الأدب وأدواته، إذ يمكن للأدب أن يخلق رابطة قويّة تجمع ما بين المتلقّية والكاتبة من جهة، والمتلقّية الواحدة وباقي المتلقّيات من جهة ثانية، وذلك من خلال تقديم تجارب مشتركة لديهنّ جميعًا، تولّد لديهنّ ردود فعل مشتركة تجاه العمل الّذي يتلقّينه، فيخرجن بمواقف متقاربة توحّد بينهنّ، فالمرء منّا يقرأ ما يماثله على حدّ تعبير هارولد بلوم -Harold Blom(57).

وعي الجسد الانثويّ:
اختلفت المدرستان النّسويّتان، الفرنسيّة والامريكيّة، حول هذا المفهوم ومدى شرعيّة وعمليّة المناداة به وتطبيقه في حقول الأدب والنّقد النّسويين.
فالمدرسة الفرنسيّة ترى استحالة إقصاء الجسد الانثويّ أو إهماله أثناء الحديث عن التّجربة الانثويّة الحقيقيّة، إذ هو مصدرٌ من مصادر الكتابة الانثويّة في نظرها، فالمرأة بكتابتها عن جسدها ذهبت إلى التّعبير عن نفسها لإدراكها حقائق ذلك الجسد إدراكًا واعيًا واكتشافها له، ولذلك نجد النّسويّات الفرنسيّات يشجّعن النّساء للبحث عمّا هو مختلفٌ لديهنّ عن الرّجال واكتشاف جنسهنّ انطلاقًا من بيولوجيّة أجسادهنّ، وأن يبرزن ما قامت الذّكوريّة بقمعه، فوعي الجسد يعني بالضّرورة وعيًا للذّات الانثويّة الّتي غيّبت أو أسيء تمثيلها في الخطاب الذّكوريّ.
أمّا النّسويّة الامريكيّة فترفض ما تطرحه النّسويّة الفرنسيّة لأنّ الأخيرة تحاول فرض صوت شهوانيّ واحد للتّعبير عن كلّ نساء العالم، لا يحاول إيجاد مفاهيم نسويّة عالميّة، وفي ذلك تجاهلٌ لخصوصيّات الشّعوب والمجتمعات الثّقافيّة والدّينيّة والاجتماعيّة، إذ تتفاوتُ مسألة " وعي الجسد " لدى نساء العالم وفقًا للطّبقة والجنس والثّقافة، ولذلك لا يمكن أن تكون البيولوجيا الانثويّة منفذًا للخروج على الذّكوريّة وعزلها للنّساء(58).
صورة المرأة في كتابات الذّكور من المنظور النّسويّ:
ركّز النّقد الأدبيّ النّسويّ جهوده الأولى على دراسة الصّورة الّتي تُقدّم بها المرأة في الأعمال الّتي كتبها مؤلّفون رجال، محاولاً إثبات وجود قوالب نمطيّة ثقافيّة ضيّقة في تلك الأعمال، يتمّ وضع المرأة داخلها، ومبيّنًا كيفيّة تكريس تلك الصّور للقمع الّذي تت

sghiri
مدير المنتدى

المساهمات : 165
تاريخ التسجيل : 19/05/2012
العمر : 34
الموقع : https://sociologie-meknes.forummaroc.net

https://sociologie-meknes.forummaroc.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى