بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
لنظريات البطريركية/ ليند ساي جيرمان
منتدى علم الاجتماع مكناس :: السنة الثالثة في علم الاجتماع :: السنة الثالثة في علم الاجتماع :: السداسي الخامس
صفحة 1 من اصل 1
لنظريات البطريركية/ ليند ساي جيرمان
لنظريات البطريركية ليند ساي جيرمان
Par Med Mht dans علم الاجتماع مكناس les étudiant de la faculté des lettre SOCIOLOGIE Meknès (Fichiers) · Modifier le document · Supprimer
النظريات البطريركية
ليند ساي جيرمان
لعل النظرية الأآثر صمودا وإنتشارا فى محيط الحرآة النسائية اليوم هى النظرية
البطريرآية (هامش: البطريرك هو الأب والنظرية البطريرآية هي نظرية السيطرة
الذآورية التي ترى أن الرجال هم مصدر الاضطهاد الواقع على النساء). وتتخذ هذه
النظرية أشكالا مختلفة, لكن الأفكار الرئيسية التى تستند اليها -والمتعلقة بكون
سيطرة الذآر او التحيز للنوع أمرا لا يوجد فحسب آنتاج للرسمالية ولكنه منفصل
تماما عن نمط الانتاج الرأسمالى ومن ثم فسوف يدوم بعد زواله- تحظى بقبول واسع,
حتى ان رفض هذه النظرية برمتها يقابل بدهشة تامة وحقيقية.
وتحظى هذه النظريات بفهم محدود لكيفة تغير أشكال قهر المرأة وطبيعة الأسرة
عبر التاريخ. ولا يوجد لديها تصور يعتد به حول مدى الإختلاف الواسع بين الأشكال
التي يتخذها قهر المرأة من طبقة إلى أخرى. وبدلا من ذلك فان ما تقدمه لنا هذه
النظرية هو ما تعتقد أنه حقيقة مطلقة، مفادها ان البطريرآية سواء اتخذت هذا الشكل
أو ذاك هى سبب قهر النساء.
ويتم تبرير هذا الطرح عبر الإشارة الى أن قهر المرأة يوجد خارج مجتمعات
الغرب الرأسمالي, وذلك فى المجتمعات السابقة على الرأسمالية اوتلك المسماه
بالإشتراآية فى روسيا والصين وآوبا وشرق اوروبا.
وتدعم النظرية البطريرآية التصور المتفق عليه بشكل واسع فى داخل الحرآة
النسائية، والقائم على وجوب الفصل بين صراعين, هما صراع الحرآة العمالية ضد
الرأسمالية ومن أجل تحقيق الاشتراآية, والصراع الذى تخوضه النساء ضد السيطرة
الذآورية. ومن الناحية المنطقية فإن الفصل بين الصراعين هذا يفترض انفصال
التطور الإجتماعى للجنسين فى المستقبل, وهو المنطق الذى لا يقبله المؤيدون
لنظرية البطريرآية. ولكن إذا آانت البطريرآية هى الطريقة التى يقوم بواسطتها
جميع الرجال بإضطهاد جميع النساء, فكيف يمكن التغلب عليها فى ظل استمرار
التفاعل بين الرجال والنساء؟
اريد هنا ان اقدم طرحا مختلفا تمام الإختلاف, وان أرفض مفهوم البطريرآية الذى
يمكن إعتباره فى افضل الأحوال مفهوما مشوشا يشير ببساطة اضطهاد المراة دون
ان يكون قادرا على طرح تفسير لهذا الاضطهاد. آما انه فى اسوء الأحوال يعد
مفهوما مثاليا ليس له اساس فى الواقع المادى. وأريد أن أبين أن المستفيد من قهر
النساء هو رأس المال وليس الرجل. آما أود البحث فى االتغيرات التي حدثت في
طبيعية الأسرة وآيفية تأثيرها على تغير تصور النساء عن أنفسهن. ولعله من
المأمول أن نوضح أن إستمرار قهر النساء ليس نتاج مؤامرة ذآورية (أو تحالف بين
العمال الذآور والطبقة الرأسمالية), ولكنه نتاج لديمومة المجتمع الطبقى فى العالم
وأخيرا أريد أن أبحث فى السؤال الذى دائما ما يطرح على الإشتراآيين, والمتعلق
استمرار وجود الأسرة الأسرة البروليتارية (هامش: البروليتاريا هي الطبقة العاملة
والاسرة البروليتارية هي الأسرة العمالية) رغم اعتقاد أنجلز والمارآسيين الأوائل
بأنها سوف تختفى بسبب عدم أستنادها إلى علاقات الملكية، وذلك على عكس الأسرة
البرجوازية (هامش: البرجوازية هي الطبقة المستغلة في المجتمع الراسمالي).
ونظرا لأنى لا اعتقد أن بقاء الأسرة العمالية لا يرجع إلى السيطرة الذآورية، فأنى
أود أن أتناول بدقة ما الذى يؤدى إلى استمرار وجود الأسرة.
الاشكال المختلفة للنظرية
إن الشئ الطريف بالنسبة للنظرية البطريرآية هو أنها تستطيع أن تقدم الحل
السحري للجميع، ذلك أنها تتغذى على "المشاعر الغامضة" التى تفتتن بها قطاعات
من الحرآة النسائية أآثر من إعتماد هذه النظرية على تحليل مادى لمسالة اضطاد
النساء. ومن ثم فانه حتى البحث عن تعريف للفظ البطريرآية يصبح مسألة صعبة
نظرا لوجود الكثير جدا من التعريفات التى يمكن الاختيار فيما بينها.
يمكن على سبيل المثال أن تشير البطريرآية إلى نوع المجتمعات التى يكون فيها
الأب (البطريرك) مسيطرا ليس فحسب على نساء العائلة وانما على الذآور الاصغر
سنا ايضا. وتعتمد مثل هذه المجتمعات على الانتاج الفلاحى او الحرفى, ويمثل
المنزل, على الاقل جزئيا, القاعدة الانتاجية لها. وتنبع سلطة البطريرك من حيازته
للثروة المنتجة ومن ملكيته للارض. غير أنه فى معظم الاحيان لا يقصد بالبطريرآية
تلك المجتمعات التى وجدت فى لحظة تاريخية معينة. ذلك أنه حتى منظرى
البطريرآية الأآثر تشوشا, باستطاعتهم أن يدرآوا أننا لا نعيش اليوم فى فى مثل هذا
المجتمع الفلاحى, ولذلك فان ما يعنيهم هو القهر الذى تعانى منه المرأة فى الوقت
الحالى.
و يمكن القول ان نظرية البطريرآية تتخذ شكلين اساسيين:
فأولا هناك من يرون البطريرآية آمصطلح أيديولوجي أو فكري صرف. فعلى
سبيل المثال ترى جولييت ميتشيل ان هناك حد قاطع بين مجالين مستقلين نقوم
بالتعامل معهما, هما النمط الاقتصادى الرأسمالى, والنمط الايديولوجى البطريرآي
1). وتطرح آل من سالى ألكسندر وباربرا تايلور أطروحات مثيلة فى آتابهما )
.( "دفاعا عن البطريرآية" ( 2
غير انه يجب وضع هذا الفصل بين الاقتصاد والايديولوجيا موضع مساءلة. حيث
أنه توجد على الدوام صلة بين الاساس الاقتصاد لمجتمع ما والافكارالتى تنبثق فى
هذا المجتمع, ومن ثم لا يمكن النظر إليهما آمجالين منفصلين. وآما اوضح مارآس
منذ زمن بعيد إنه اذا إعتبرنا أن التاريخ هو مجرد نتاج لهيمنة الأفكار او تعاقبها
فانه يصبح من غير المستطاع وضع اى تفسير حول تطور المجتمع.
واذا ما رفصنا التصور الميتافيزيقي لوضع المرأة , فانه يجب البحث فى الظروف
المادية التى تجعل البشر يتصرفون بشكل معين –دون غيره— فىعلاقتهم بالعالم
ومن ثم في علاقتهم ببعضهم البعض. ومن ثم فأن أساس قهر المراة, مثله مثل أساس
أى ظاهرة إجتماعية أخرى, يجب أن يدرس فى ضوء هذه الظروف. وبذلك يمكننا
أن نفهم الطريقة التى ظهرت بها الإفكار التى تبرر هذا القهر ومغزى المعرآة التى
خاضتها.
إن ما قاله مارآس عام 1845 ينطبق على مسالة قهرالمرأة آإنطباقه على أية
ظاهرة اخرى فى مجتمعنا. فقد أعتبر مارآس أنه " لكى نصل إلى حقيقة الإنسان,
نحن لا ننطلق من أقواله أو تخيلاته أو تصوراته, آما لا ننطلق من الذى يتم روايته
أوتخيلة أو تصوره عنه. وأنما ننطلق من الإنسان الحقيقى والفاعل, وعلى أساس
الحياه الحقيقية للبشر, لنبين تطور الإنعكاسات والأصداء الأيديولوجية لهذه الحياة,
آالأخلاق والدين والغيبيات وآل ما تبقى من الأيديولوجيا وما يقابلها من اشكال
مختلفة للوعى. ومن ثم فإننا لم نعد نحتفظ بتلك الصورة المستقلة لأشكال الوعى, التى
ليس لها تاريخ أو تطور فى حد ذاتها. لكن البشر, عبر تفاعلهم المادى وقيامهم
بتطوير الإنتاج المادى, يغيرون, مع التغير الفعلى لحياتهم, تفكيرهم ومنتجات هذا
( التفكير. إن الحياة لا تتحدد بالوعى, وإنما الوعى هو الذى يتحدد بالحياة."( 3
وعلى النقيض من ذلك, اذا اعتبرنا ان البطريرآية هى نمط فكرى, فان ذلك يعنى
ان الافكار تدعم نفسها بنفسها ولا يوجد لها أساس مادي. وآنذاك يصبح النضال من
اجل تحرير المراة منفصلا عن النضال ضد الاستغلال الذى يمكن ان يربط بين
المصالح الحياتية لملايين العمال من الرجال والنساء. وبدلا من ذلك يصبح هذا
النضال –آما تدعو ألكسندر وتايلور— مجرد نضال ثقافى لأجل تغيير افكار البشر
بمعزل عن تغيير المجتمع. ومن هذا المنطلق يصبح من السهل أن ندرك آيف تتطور
الأفكار الداعية إلى حرآة مستقلة للمرأة. غير انه اذا آانت الافكار تتمتع باستقلالية
عن الاستغلال الاقتصادى, فلماذا لا يكون النضال ضد قهر المراة مستقلا أيضا؟
إن إدراك بعض النساء لهذا التناقض جعلهم يحاولن تطوير نظريات مادية
للبطريرآية, فيجادلن بأن جميع الرجال يستفيدون من قهر النساء، وانهم قادرين على
ذلك بسبب الفروق البيولوجية الجوهرية بين الجنسين. وهنا توجد اسس البطريرآية.
وآما تشير روبرتا هاميلتون: "ان تحليل الحرآة النسوية يخاطب الايديولوجيا
البطريرآية, هذا النمط البطريرآى الذى يقف وراء سيطرة الذآر وخضوع الانثى
فى اى مجتمع آان. لكن هذه الايديولوجيا تستند الى الاختلافات البيولوجية بين
( الجنسين, وهو ما يعطيها اساسا تاريخيا خاصا بها.( 4
وتطور آريستين ديلفى فى آتابها العدو الاساسى( 5), هذه الاطروحة المادية
إنطلاقا من رؤية نسوية راديكالية. وقامت هيدى هارتمان بمحاولة مثيلة عبر
استخدامها لمقولات مارآسية. وقد اردت ان أتناول هذه الاخيرة بدرجة من التوسع.
فإذا آان من الممكن إثبات خطأ هذا لنوع من المقولات فان محاولة الدمج بين
النظرية البطريكية وبين المارآسية تتهاوى بكاملها.
هل الرجال هم من يستغل النساء؟
تعرف هارتمن البطريرآية باعتبارها "مجموعة من العلاقات الإجتماعية ذات
الاساس المادى التى تربط بين الرجال, والتى رغم انها تتمتع بهيرارآية إلا انها
تخلق تضامنا فيما بينهم يمكنهم من السيطرة على النساء." وتمضى قدما لتقول "إن
الرآيزة المادية التى تعتمد عليها البطريرآية تتمثل أساسا فى سيطرة الرجال على
قوة عمل النساء.... وهذه السيطرة لا ترجع فقط قيام النساء بعملية انجاب الأطفال في
داخل الاسرة, وإنما على آل الابنية الإجتماعية التى تمكن الرجال من السيطرة على
عمل النساء... ويتم الحفاظ على هذة السيطرة عبر حرمان المراة من التحكم فى
الموارد الاقتصادية الضرورية التي يتم انتاجها، وآذلك عبر تقييد السلوك الجنسى
( للنساء."( 7
فعن طريق حرمان النساء من الحصول على هذه الموارد الاقتصادية, يقيم الرجال
تحالفا مع راس المال. وتوجد الدلائل ذلك على فى تطور الراسمالية وفى طريقة
تفاعل الطبقة العاملة مع مشكلاتها, والتى تتخذ شكل المطالبة بتشريعات حمائية
وأجر يكفى العائلة. وتستطرد هارتمان لتشير الى ان نضال العمال فى سبيل هذين
المطلبين يهدف إلى تحقيق المنفعة لهم, وذلك عبر ابقاء النساء فى المنزل ليخدموا
الرجال وفى الوقت ذاته تتحقق سيطرة الرجال عليهن جنسيا.
ولكن هل هذة الطريقة في تفسير الأحداث صحيحة؟
ان تطور الرأسمالية فى بريطانيا أدى إلى تدمير الانتاج المنزلى ودفع النساء
والاطفال مثلهم مثل الرجال إلى نظام المصنع. وآان ذلك له اثرا مدمرا على اعادة
انتاج الطبقة العاملة. فقد بلغت معدلات وفيات الاطفال حدا مرعبا نظرا –وآما
اوضح مارآس فى راس المال— لطول ساعات عمل النساء خارج المنزل. فقد آان
الأطفال يترآون مع اطفال اآبر قليلا او مع أفراد يناط هم العناية بالأطفال، والذين
يهملونهم او يعملون على ابقائهم هادئين بواسطة مشروب الجين او صبغة الافيون.
وعندما يكبرهؤلاء الأطفال إلى الحد الكافى ليصبحوا قادرين على العمل على الآلة,
يتم دفعهم أيضا للعمل فى المصانع. وآما يبين مارآس فان: "البديل الجبار للعمل
وللعمال, اى الالة, آانت تتحول بدرجة سريعة الى وسيلة لزيادة اعداد العمال
الاجراء, عبر الايقاع بكل أفراد أسرة العامل تحت النفوذ المباشر للراسمالية, دون
تفرقة عل اساس من السن او الجنس."
ان هذه الاوضاع التى يصفها مارآس فى "رأس المال" وأنجلز فى "حالة الطبقة
العاملة الانجليزية", ( تبين آيف آان نظام المصنع مرعبا فى مرحلته المبكرة. إن
أثر هذا النظام الجديد آان تفسخ الاسرة نتيجة إلى تحول آل عضو فيها الى عامل
اجير. ومن ثم فقد وضع الإستغلال الرأسمالي, رغم قسوته, أسس المساواة بين رجال
ونساء الطبقة التى لا تملك، اى البروليتاريا. فكلاهما أصبح مضطرا للإعتماد على
العمل الماجور وفقد الرجال وضعية المالك الذي يتحكم في الزوجة والأطفال. ولهذا
ولكن ما لم يقدرة انجلز التقدير الصحيح هو أثر نظام المصنع على عملية إعادة
إنتاج النوع نفسها. ففى مانشستر التى آانت ربما أآثر مراآز الانتاج المصنعى تقدما,
بلغ عدد وفيات الاطفال 26،126 لكل 100،000 طفل عمرهم اقل من سنة واحدة
9) وهو ما يعادل ثلاثة أمثال نظيره فى بعض المناطق غير الصناعية. ومن ثم فإن )
العناصر الابعد نظرا بين الطبقة الحاآمة آان بإستطاعتهم أن يدرآوا أن النظام الذي
يضمن إمداد الرأسمالية بقوة العمل المسبقبليه آان جارى تدميره.
وآان نتيجة لتلك الأوضاع أن ظهرت المطالبة بتشريعات حمائية وبأجر يناسب
الأسرة. وقد تناسبت هذه المطالب مع الحاجات المتغيرة للرأسمالية ولكنها نتجت
أيضا جزئيا من حرص رجال ونساء الطبقة العاملة الفعلي على تحقيق مستوى
معيشة أفضل وظروف إنجاب أآثر أمنا ومنازل أآثر نظافة.
جادل منظرو البطريرآية مثل هارتمان بأن الرجال تحالفوا مع رأس المال
لإستبعاد النساء من بعض الوظائف. وفي حقيقة الأمر، آانت هناك محاولات بهذا
الصدد، حيث قام العمال الحرفيون المهرة بإستخدام نقاباتهم من أجل إستبعاد النساء
من بعض الحرف. لكنهم لم يستبعدوا النساء فحسب, فلم يكن متاحا لأبناء العمال غير
المهرة والعمال المهاجرين فرصة للتدريب على هذه الحرف أآثر من تلك الفرصة
المتاحة للنساء. ومن ثم فقد تم إستبعاد أى شخص لم يتتلمذ فى هذه الحرف. إن ما
تطرحة هارتمان إذن هو مد لمفهوم البطريرآية لحدود عبثية بهدف إعطاء معنى لما
تسميه "تفوق الذآر الأبيض". ولعلنا نتجاوز العبثية إذا ما حاولنا أن نواءم بين مفهوم
البطريرآية والحقائق التاريخية فنقول "تفوق الذآر الأبيض الماهر" الذى لا يمارس
التمييز فقط ضد جميع النساء وجميع المهاجرين ولكن ضد غالبية العمال الوطنيين
أيضا بسبب آونهم عمال غير مهرة.
والاآثرمن ذلك إن بعض المجالات التى تم إستبعاد النساء منها لم تكن بها إتحادات
نقابية أو آانت لها اتحادات ضعيفة، وفى حالة لا تتيح لها إستبعاد اى فرد. إن إقرار
التشريعات التى تستبعد النساء من بعض الصناعات قد تم بواسطة البرلمانات
البرجوازية نتيجة للإعتقاد بأن ظروف العمل فى هذه الصناعات آانت مضرة لعملية
خلق الجيل القادم من العمال – سواء حدث ذلك بشكل مباشر حيث آانت النساء
الحوامل تقمن بأعمال تضر بالجنين, او بشكل غير مباشر حيث لم تسمح لهن ساعات
العمل بأن يلعبوا الدور المناط بهم لتنشئة الاطفال. اذن فلم يكمن الدافع لاستبعاد
النساء في "الرجل البطريرآى" وانما ارتبط هذا الاستبعاد برؤية الرأسمالية
لإحتياجاتها المستقبلية.
ومن ناحية أخرى، فإن النظرية التى تقول أن أجر الأسرة – أي الاجر الذى يعطى
للرجل لا لكى يكفيه فحسب وإنما يكفى لمعيشة اسرته ايضا- آان نتاج مؤامرة
رأسمالية بطريرآية لإبقاء النساء خارج العمل، هي نظرية لا تستطيع الصمود. ذلك
أن أجر الأسرة أصبح فى مصلحة رأس المال, بمجرد أن سمح تطور قوى الانتاج
بخلق القيمة التى تكفى لتغيطة تكلفة اعادة انتاج الاسرة بكاملها، وإمداد الراسماليين
لكن أجر الأسرة لم يحقق فائدة مادية للرجال, حيث لم يكن يكفي سوى لتغطية الحد
الأدنى المطلوب لإعادة إنتاج الأسرة، أى القدرالمطلوب للحفاظ على حياتها. فلم
يسفر هذا الأجر بالتاآيد عن رفع مستوى إستهلاك العامل الذآر, حيث أنه آان بشكل
عام أدنى بدرجة آبيرة من الدخل المشترك للعائلة الذى آان سيتم الحصول عليه فى
حالة عمل الزوجة والاطفال. وفي الحقيقية فأن العامل آان يحصل على دخل
متضمن أجر العائلة, إلا أن آافة الضغوط القانونية والايديولوجية الممكنه قد
استخدمت لتشجيع انفاق هذا الدخل لأجل الحفاظ على حياة الأسرة بكاملها لا على
متع الرجل الشخصية.
ومن ثم فإن افتراض أن إرتفاع أجر العامل ليشمل اجر الاسرة، يحقق ميزة للرجل
يعنى عدم فهم نظام الأجر فى آليته, آما يعبر عن الاهتمام بشكل هذا النظام لا
مضمونه, وعن التشوش في فهم الطريقة التى تظهر عليها الأشياء فى الرأسمالية,
حيث يبدو صاحب الأجر آما لو آان السيد المستهلك الذى له حرية إستخدام الدخل
الذى يملكه, بدلا من إدراك أن هذا الدخل يجب إنفاقه فى إعادة انتاج الأجيال القادرة
على خدمة رأس المال. وفى ظل نظام أجر الأسرة, تعانى المرأة المتزوجة طالما
آانت مستبعدة من اامشارآة فى الانتاج الرأسمالى المباشر, ومن ثم فإن مثلها مثل
العاطلين عن العمل, تحرم حتى من الظهور بمظهر المستهلك المتحكم. ويعد ذلك
جانبا مهما مما نعنيه عند قولنا أن الزوجات اللاتى بلا عمل مقهورات بينما العمال
مستغلون. لكن ذلك لا يعنى بأي حال أن الرجال يستفيدون من قهر النساء.
وبالطبع آان هناك بديل للمطالبة بأجرالأسرة يتمثل فى النضال من أجل تسهيلات
آافية لرعاية الأطفال, وأوقات مخصصة لانصراف الامهات من العمل, وأجر
متساوى. وتبين هارتمان أنه: " بدلا من النضال من أجل أجور متساوية لكل من
الرجال والنساء, أراد العمال الذآور الحصول على أجر يكفى للعائلة, حيث أرادوا
الحفاظ على الخدمات التى تقدمها لهم الزوجات داخل المنزل. فقد آان من الممكن فى
حالة عدم وجود البطريرآية أن تقوم طبقة عاملة موحدة بالتصدى للرأسمالية, لكن
العلاقات الإجتماعية البطريرآية قسمت الطبقة العاملة وسمحت برشوة احد طرفيها
( (الرجال) علىحساب الطرف الاخر (النساء)".( 10
لكن هل آان ذلك الفعل هو البديل المطروح؟
فأولا لم يكن العمال الذآور يمثلون طبقة موحدة ومنظمة بوعي آما تدعى
هارتمان. فلم يكن غالبية العمال حتى اعضاء فى النقابات, وظلوا لفترة طويلة عقب
انهيار التشارتية (هامش: الحرآة الميثاقية وهي حرآة إصلاحية تبنتها الطبقة العاملة
وثانيا آانت هناك مشكلة بالنسبة لنساء الطبقة العاملة اللاتى يعملن, وهى
الخطرعلى الحمل وعلى معدل إنجاب الاطفال. أما الآن, فالنساء فى أى من الدول
الرأسمالية المتقدمة, ترفضن إنجاب العديد من الأطفال – إذا قبلن الإنجاب من
الاساس. إن إمكانية حصولنا على موانع للحمل, حتى لو آانت غير آافية, لم تكن
متخيلة إطلاقا بالنسبة للأجيال الماضية. فبالنسبة لهؤلاء النساء لم يكن هناك بديل
لقضاء الحياة فى انجاب الأطفال, غير المرغوب فيهم عادة, سوى الإمتناع عن
ممارسة العلاقة الجنسية. ومن ثم فبانسبة لرجال ونساء الطقة العاملة، آان إنجاب
الاطفال أمرا واقعا. وفى ظل هذه الظروف، عادة ما يرغب آلاهما فى تحقيق
الحماية النساء. ويفسر ذلك –بطريقة افضل من نظرية المؤامرات ذآورية— لماذا
آانت النساء تترآن العمل عند الزواج, ولماذا آان الرجال يحصلون على أجر
الأسرة.
غير أنه لا زالت هناك حقيقة أن هذه الخطوات الخاصة بأجر الأسرة واستبعاد
النساء من بعض الأعمال قد وجهت لطمة لفرص النساء فى التغلب على وضعهن
الإجتماعى المتدنى. فقد قدمت الرأسمالية الشروط الكامنة للمساواة بين النساء
والرجال, لكن هذه المساواة لم تكن لتتحقق فعليا داخل هذا النظام. فلصالح اعادة انتاج
قوة العمل, تم عزل النساء فى المنزل وبالتالي تفتيت وحدتهن. وآان يعتقد أن
وظيفتهن تتمثل فى خدمة أزواجهن وأسرهن, وبالتالي فقد حرموا من الاستقلال
المالى. إلا ان هذا "النموذج المثالى" لم يعبر ابدا عن واقع حال آل نساء الطبقة
العاملة, حيث أن العديد منهن ظللن منخرطات فى العمل المأجور بشكل دائم. غير
ان الافكار السائدة التى آانت تروج لمفهوم الاسرة باعتبارة مفهوما مقدسا, آانت
تسعى لإسقاط نموذج العائلة البرجوازية على الطبقة العاملة من أجل ضمان اعادة
انتاج النوع. و آان أن قبل رجال ونساء الطبقة العاملة هذا النموذج للاسرة باعتبارة
النموذج "الطبيعى", حتى لو لم يكن متوافقا مع واقع حياتهم الشخصية.
وحتى فى يومنا هذا , حيث أدى تطور الرأسمالية إلى دفع غالبية النساء الى سوق
العمل, فان الصورة التقليدية للمراة لم تختف, وان آانت قد تآآلت بدرجة حادة. إن
سلوك المجتمع تجاه المراة وآذلك سلوك النساء نحو انفسهن قد تطور بدرجة هائلة
تحت التاثيرالمزدوج لسيطرتهن على الانجاب بسبب ظهور موانع الحمل، ودخولهن
سوق العمل. ان الطريقة التى اثر بها تغير الاوضاع المادية على تغير السلوك تجاة
المراة تعد فى حد ذاتها ردا على المقولة التى تعتبر قهر المرأة نتاجا لسيطرة
أيديولوجيا ذآورية غامضة غير قابلة للتغير.
تجادل هارتمان بأن الرجال يستفيدون من عمل النساء داخل المنزل وتتساءل: "من
يستفيد من عمل النساء؟ بالتاآيد الرأسمالية, ولكن بالتاآيد ايضا الرجال, الذين
أنه لمن الحقيقى بالطبع أن النساء يتحملن الآن الجانب الأعظم من عبء رعاية
الاطفال والاعمال المنزلية. ولكن هل ينتج من ذلك أن الرجال يستفيدون من عمل
النساء؟ إن تقسيم العمل يعنى قبل آل شئ أن الرجال يقومون بأعمال مختلفة فى
المصنع عن تلك التى يقومون بها فى المنزل . ولكن القول بان عمل اللحام هو افضل
او أسوء العمل المنزلى يعنى النظر إلى آل من نوعى العمل بطريقة ذاتية تماما
وغير قابلة للقياس. وينطبق ذلك أيضا على وقت الفراغ, حيث يحظى الرجال بأوقات
فراغ محددة من حيث الساعات، يميلون إلى قضائها فى أنشطة إجتماعية (مثل آرة
القدم)، بنفس درجة نزوعهم إلى الحصول على ساعات عمل أآثر تحديدا. ولكن لا
يمكن القول ببساطة ان هذه الساعات اآثر من تلك المتاحة للنساء.
إن العمل المنزلى, وفقا لتعريفة, هو عمل لا يخضع لايقاع مفروض من قبل
الاستغلال الرأسمالى, فى المصنع أو مكان العمل. فهو لا يتضمن القيام بمجهود
مكثف لعدد محدد من الساعات يتبعها فترة من الاستجمام تسمح بالعودة إلى القيام
بهذا المجهود المكثف المحدد زمنيا. ولذلك فأنه لا توجد طريقة لقياس وقت العمل
المنزلى ومقارنته بوقت العمل فى نظام المصنع. إن آل ما يمكن قولة بتيقن هو أن
آل من عمل المصنع والعمل المنزلى عملان مضنيان يؤدى أحدهما إلى امراض
ناتجة عن العمل – وهو ما يفسر لماذا تظهر أعراض أمراض مثل التهاب الشعب
الهوائية لدى الرجال بدرجة اآبر منها لدى النساء وآذلك إصابات العمل المفجعة
والارهاق الحاد والموت المبكر عادة— بينما يؤدى الآخر إلى تحطيم الروح
المعنوية والعزلة وعدم الإحساس بالأمن والعديد من العلل التى عادة ما يتجاهلها
الأطباء. إن الضرر الهائل الذى تعانيه النساء ليس إستغلال الرجال لهم بدرجة ما,
ولكن عزلتهن وبعدهن عن المشارآة فى العمل الجماعى والتى يمكن أن تعطيهن
الثقة لأجل النضال ضد النظام.
وفى الحقيقة فإن مشكلة المنافع التى يحصل عليها الرجال، يمكن ان تظهر فقط
بشكل حقيقى فى حالة الخروج عن تقسيم العمل النمطى بين "الذآر العامل" و"الأنثى
ربة المنزل". فإزاء الاندفاع المتزايد للنساء المتزوجات إلى سوق العمل, تجد الكثير
منهن أن عليهن القيام بتسيير أمور المنزل عقب إنتهاء يوم العمل المأجور الكامل.
ومن ثم يكون لديهن وقت للاستجمام أقل بكثير من ذلك المتاح لأزواجهن، حيث يجب
عليهن الجمع بين الاعمال المنزلية والعمل خارج المنزل. غير انه حتى فى هذه
الحالات فمن المشكوك فيه أن تزيد منافع الأزواج عن آونها منافع هامشية. إن
الجوانب المضنية والأآثر إرهاقا فى العمل المنزلى هى تلك المتعلقة برعاية
الاطفال، حيث ان "العالة" الكبير على عمل النساء المنزلى هو الطفل. غير أنه ليس
الزوج هو المستفيد من وجود الطفل, وإنما رأس المال الذى يضمن وجود مصدر
وعلى ذلك أريد أن أقول أن الرجال لا يستفيدون من عمل المراة فى الأسرة –حيث
يحصل النظام الارسمالى على الفائدة بأآملها— وأنه ليس حقيقيا أن الرجال ورأس
المال يتآمرون لأجل منع النساء من المشارآة فى الناتج الاقتصادى .
أننا نعيش فى حقبة يزيد خلالها عدد النساء العاملات فى الدول الأآثر تقدما عن
مثيلة فى أى فترة تاريخية سابقة، آما تختلف الوظائف التى يقمن بها عن تلك التى
يقوم بها الرجال. وبهذا المعنى يظل تقسيم العمل على أساس النوع باقيا آما آان من
قبل. آما تكون أجور الرجال والنساء بعيدة عن التساوي نتيجة لأن النساء عادة ما
يقطعن فترات العمل بالإنجاب –وان آان ذلك يحدث بمعدل أدنى بكثير مما آان علية
الحال منذ جيلين. ولا يزال متوقعا منهن أن يلعبن الدور الأآبر فى العناية بالاطفال
إلى جانب العمل.
غير أن طبيعة الوظائف التى تشغلها النساء يرتبط آثيرا بالتطور الراسمالى فى
الحقبة التى شهدت دخول النساء قوة العمل – وبخاصة التوسع فى قطاع الخدمات—
أآثر من آونه مرتبطا بوجود مؤامرة ذآورية تريد حصر النساء في مهن بعينها.
ويصبح ذلك واضحا بشكل خاص إذا ما قارنا وظائف النساء بتلك التى يشغلها
المهاجرون من الجنسين. ذلك أن عمل آلاهما يترآز فى أعمال النظافة والنقل
والمطاعم والصناعات الخفيفية وصناعات الأعذية— مع وجود إستثناءات قليلة مثل
العمل فى المسابك. ويعود هذا التشابة بين المهن التي يشغلها آل من المهاجرين
والنساء إلى أن آلاهما قد دخلا قوة العمل فى أوقات متقاربة. ومن ثم فإن عزل
النساء في وظائف بعينها لا علاقة له بالدور الذى يقمن به فى المنزل. وأحيانا ما يقال
أن وظائف النساء تمثل إنعكاسا للأمومة والعمل المنزلى, ولكن صناعة تعليب
الخضروات لا يمكن بأية حال إعتبارها إمتدادا لنوع العمل الذى تقوم به النساء فى
المنزل. ونفس الشئ بالنسبة لوظيفة صرافة البنك وآاتبة الملفات وأمينة الخزينة
وعاملة التليفون. وفى المكاتب تلعب النخبة من السكرتيرات المميزات فقط دور
الزوجة البديلة للمديرين, أما غالبية النساء العاملات فى وظائف آتابية لا يلعبن هذا
الدور بالتأآيد.
وحتى الكساد الحالى لم يؤد إلى طرد النساء بالجملة خارج قوة العمل.
وتزعم هارتمان أن "من أعراض سيطرة الرجال ان تعطل النساء لم ينظر إليه أبدا
بإعتباره مشكلة. وفى الثلاثينيات, تم التعامل مع البطالة واسعة النطاق عبر إستبعاد
النساء من آافة أنواع الوظائف، وتم أتباع نظام أجر واحد للعائلة, وآانت الوظيفة
.( للرجل."( 12
إن ما تقوله هارتمان هو ببساطة تصور خاطئ، حيث تثبت أحدى الدراسات حول
العمل فى الولايات المتحدة إن النساء دخلن قوة العمل خلال عقد الثلاثينيات بصورة
أآبر منها فى أى وقت سابق فى التاريخ الامريكى, وذلك رغم الخطاب الذى آان
ويمكننا أن نرى اليوم نزوعا مشابها. ولايعنى ذلك بالطبع إن رأس المال قد أصبح
منحازا للمراة ضد الرجل, ولكنه يعنى أن رأس المال سوف يستخدم الأيديولوجيا
التى ترى أن مكان المراة هو المنزل لأجل فرض أجور منخفضة, وإضعاف
إتحادات العمال ووضع ظروف أسوأ للعمل. إن السؤال الذى يجب أن تجيب عليه
النظرية البطريرآية هو أنه إذا آان رأس المال والرجال قد تحالفا بالفعل فلماذا لم
يتم القذف بالنساء خارج سوق العمل وإحلال العمال المتعطلين فى قطاعات المناجم
والصلب والسفن محلهن؟
هل طبيعة الاسرة لاتتغير؟
تشترك جميع النظريات البطريرآية فى الإعتقاد بأن سيطرة الذآر ظلت على حالها
بغض النظر عن التغيرات الاخرى فى المجتمع. إذا فالبطريرآية تدوم ويتم النضال
ضدها بمعزل عن النضال ضد الرأسمالية. وفى النظريات البطريرآية البيولوجية,
تعزى المشكلة إلى الإختلافات الجسمانية بين الرجال والنساء. ومن الناحية المنطقية
يكون الحل في هذه الحالة هو إستئصال او إزالة هذه المخلوقات. غير أن هذه
المقولات من السهل ضحدها، وهي لا تحظى إلا بتأثير محدود فى بريطانيا على أية
حال.
أما المقولات الاآثر نفوذا فهى من النوع الذى يطرحه أشخاص مثل هارتمان, التى
ترى الرأسمالية والبطريرآية بمثابة قوتين مختلفتين تتحالفان ضد النساء. وتقول لنا
ان "المارآسيين يبخسون بتأثير القوى الإجتماعية البطريرآية الموجودة من قبل
والتى يجب على الرأسمالية الناهضة ان تتحداها وتتكيف معها فى نفس الوقت." غير
أن هذا الرأي يفترض أن الأسرة بشكلها القديم السابق على الرأسمالية إنتقلت إلى
الرأسمالية دون أن يلحق بها أى تغير. وهكذا فان هذه المقولة تعد جزءا من مقولتها
الأآثر عمومية بشأن وجود شكلين للانتاج فى المجتمع الطبقى هما العمل والاسرة,
ويتضمن أحدهما نمطا للانتاج والآخر نمطا لإعادة انتاج النوع أو التناسل. وتقوم
هارتمان بتبرير هذا الزعم عبر نقل جزء من مقدمة أنجلز الاولى فى أصل العائلة
والملكية الخاصة والدولة( 16 ): "ان العنصر الحاسم فى التاريخ هو الانتاج وإعادة
إنتاج الحياة المباشرة من جانب، أي انتاج وسائل الوجود آالمأآل والملبس والمأوى
والأدوات الضرورية للقيام بهذا الإنتاج، ومن جانب آخر إنتاج البشر انفسهم, أي
إنتشار النوع. ويتحدد التنظيم الإجتماعى الذى يعيش فى ظله الناس خلال حقبة
تاريخية بعينها طبقا لهذين النوعين من الإنتاج."
ترى هارتمان أن النمطين المذآورين للانتاج متساويا في الأهمية، منتقد
بذلك المارآسيين الذين يشيرون إلى الانتاج الاقتصادى بإعتباره نمط الإنتاج الوحيد.
وتجادل بأنه :"يبدو أنه ليس هناك إرتباطا ضروريا بين التغيرات فى أحد جانبى
الإنتاج والتغيرات فى الجانب الاخر."( 17 ) بمعنى آخر "يمكن ان يتغير آل من
نمطى الإنتاج بشكل مستقل عن الآخر, فيمكن محو الرأسمالية مع بقاء السيطرة
الذآورية آما هى دون تغير.
إلا أن المارآسسبن دائما ما تبنوا مقولات مختلفة آثيرا عن ذلك. فقد أستطرد أنجلز
فى مقدمته ل "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" قائلا أنه مع تطور المجتمعات
الطبقية، لا تصبح القضية هى تعايش نمطى الانتاج، وإنما يظهر "مجتمع تكون فية
العلاقات العائلية خاضعة آلية لعلاقات الملكية".( 18 ) فمع تطور الراسمالية آنظام
عالمى, أي آكلية, فانها تغلف وتغير آافة الأبنية التي آانت موجودة في العصر
السابق على الرأسمالية، بما فيها العائلة.
إن طبيعة الأسرة تتغير,ولا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك. فلم يكن فى إستطاعة
الاسرة أن تحافظ على بقائها خلال الإنتقال من الاقطاع إلى الرأسمالية، دون أن تشهد
تغيرات جوهرية. ذلك أن هذا الانتقال لم يكن يعبر عن تغير سلمي, وإنما آان بمثابة
إضطراب ثورى فى حياة الناس، يتضمن تدميرا لطرق الحياة القديمة, ولكافة
الأشكال العتيقة للإنتاج المنزلى, وللوضع التى آانت المراة فى ظله تعتمد فى معاشها
على الرجل, وإستبدال هذه الأوضاع بالعمل الماجور المعمم (هامش: أى المفروض
على الرجال والنساء دون قصره على أيهما). وبالطبع فان الأسرة تدوم على مر
التاريخ وذلك بمعنى بقاء العمليات البيولوجية آما هى وإستمرار إعادة انتاج الحياة.
لكن علاقات الإنتاج الإجتماعية تتغير بشكل تام، حيث تخلق الطبقة الحاآمة نوعا
جديدا من الأسرة لخدمة مصالحها, ومن ثم فلا يمكن أن توجد الأسرة الجديدة التى
خلقتها الرأسمالية بشكل مستقل عن نمط الإنتاج الرأسمالى.
واذا إقترحنا شيئا مختلفا عن ذلك نكون قد أنكرنا أن الأوضاع المادية تستطيع
تغيير الأفكار والأبنية الإجتماعية. وترتكب شيلا روبوثام نفس الخطأ حينما تقول أن
الأسرة الرأسمالية تحوى عناصر من أشكال الإنتاج الإقطاعي, وبذلك فهى "نمط
داخل النمط" ( 19 ). غير أن بقايا المجتمعات ما قبل الرأسمالية التى تدوم خلال
الرأسمالية لا تظل على الإطلاق آما آانت فى السابق. فعلى سبيل المثال، تعد الملكية
أحدى بقايا المجتمع الإقطاعى ولكنها قد تغيرت آلية بواسطة الرأسمالية الى الحد
الذى لم يعد لوجودها علاقة بدورها السابق. ونفس الأمر بالنسبة للعائلة التى قد تبدو
آما هى –وإن ذلك مشكوآا فيه— ولكن دورها ووظائفها وأسسها قد شهدت تحولا
على يد رأس المال. إن إعادة انتاج النوع عن طريق الاسرة ليس نمطا منعزلا، ولكنه
جزءا من البناء الفوقى للرأسمالية. إن الغاء النظام الرأسمالى –أى الإطاحة الثورية
بالمجتمع – تعنى أن نظام إعادة انتاج النوع، والذى يعتمد على الأسرة, لا يمكن ان
يظل على حاله دون تغيير.
تزعم هارتمان أن "مجتمعا ما يمكن أن يشهد على سبيل المثال تحولا من
الرأسمالية إلى الإشتراآية بينما يظل مجتمعا أبويا." ( 20 ) لكن ذلك غير ممكن, لأنه
أن القهر الواضح للنساء والذي آان موجودا فى البلدان المسماة بالإشتراآية، لم
يكن دليلا على السيطرة الذآورية، وإنما آان دليلا على عدم وجود الإشتراآية. فليس
مستغربا أن مجتمعا مبنيا على التراآم، لا يسمح بالقيام بأى إنفاق لأجل إضطلاع
المجتمع بعملية رعاية الأطفال. فبدلا من ذلك, آان العبء الواقع على النساء ثقيلا
آمثيلة فى الغرب. آانت دور الحضانة متاحة بالفعل فى روسيا بدرجة واسعة, إلا أن
النموذج الأآثر إنتشارا للعناية بالأطفال آان الجدة أو بعض الأشخاص المناط بهم
القيام بهذا العمل. ولم يكن ذلك بالطبع يتطلب إستثمارا من جانب الطبقة الرأسمالية.
إن القبول نظريا بأن هذه البلدان هى بدرجة ما أفضل من الغرب الرأسمالي هو الذى
أدى إلى قبول النظريات البطريرآية: فاذا آان من الواضح أن المرأة غير مساوية
للرجل فى هذه البلدان المسماة بالاشتراآية، فلا بد أن يكون الخطأ خطأ الرجل لا
النظام الإقتصادى.
ولا تعد الأسرة، التى تتم خلالها إعادة أنتاج النوع، بمثابة مسلمة تاريخية, ولكنها
تتغير مع تطور قوى الانتاج. وليس الأمر آذلك فحسب, بل أنه حتى من فترة إلى
أخرى فى الرأسمالية لم تظل الأسرة ثابتة.
لقد تم تدمير أسرة ما قبل الرأسمالية مع صعود علاقات الإنتاج الرأسمالية التى
خلقت طبقة من العمال الأجراء الأحرار غير المالكين. إن هذا الوضع خلق على
الأقل إمكانية لتحقيق المساواة فى العلاقة بين المرأة والرجل. ولعل هذا هو ما أشار
إليه أنجلز فى آتاباته المثيره للجدل فى هذا الموضوع. ففى فترة الرأسمالية المبكرة,
وقبل سيادة نظام المصنع, آان نظام العمل يتضمن أن يعمل الجنسين آمنتجين
مشترآين. ولعله من الخطأ إعتبار هذه الفترة نموذجية، لأنه من الواضح أنها لم تكن
عصرا ذهبيا بأى معنى لكنها بالفعل منحت المرأة حرية نسبية مقارنة بالمستويات
السابقة من السيطرة الأقتصادية والجنسية للرجل. لكن ظهور نظام المصنع لم يكن
يعنى فقط أن العامل الأجير الفرد, رجلا آان أم أمراة, لم يعد مسيطرا على عمله,
ولكن ايضا أًصبح نظام إعادة أنتاج النوع بأآمله معرضا للخطر آما بين بوضوح
.( آل من مارآس وأنجلز( 22
ومن هنا آان تحسن مستويات المعيشة وظهور التشريعات الحمائية ونظام أجر
الاسرة, وهى آلها تطورات تلبى مصلحة الرأسمالية. ولكن من الحقيقى أيضا أن
الطبقة العاملة من الجنسين رحبت بابتعاد المراة عن العمل فى المصانع.
ومنذ الحرب العالمية الثانية, تغيرت الأسرة بقوة أيضا، حيث أدى تزايد مشارآة
المرأة فى قوة العمل، مع تصاعد قدرتهن على السيطرة على أجسادهن عبر وسائل
منع الحمل وإقرار الإجهاض قانونا، إلى نمو عدد من السلوآيات الجديدة. فلم
يضمحل الزواج، ولكن تزايدت عدد حالات الطلاق بشكل عنيف. ذلك أن الرجال
والنساء لم يرفضوا مؤسسة الزواج لكنهم لم يعدوا يشعرون بضرورة أن تكون هذه
المؤسة أبدية. آما أن سيطرة المرأة على الإنجاب, ودرجة الإستقلال الإقتصادى
التى أصبحت تتمتع بها يعنى أن أحد الخيارات المطروحة هو تغيير شريك الحياة، أو
إختيار عدم وجود شريك على الإطلاق – لاحظ تزايد حجم العائلات التى ترعاها
( الأم غير المتزوجة).( 23
ان معدل إنجاب الأطفال فى البلدان الرأسمالية المتقدمة –بما فيها أوروبا
الشرقية— قد هبط بالفعل بشكل حاد, مما يدل على أنه أينما يتاح للمراة الاختيار,
فأنها لا تنفق حياتها فى إنجاب الأطفال. وتمثل الهجرة أيضا ملمحا من ملامح
الرأسمالية. فمع إندثار الصناعات القديمة, يكون على العمال فى الرأسماليات
المتقدمة ترك أسرهم طلبا للعمل. ومع توسع صناعات بعينها, يؤتى بالعمال من
جنوب أوروبا وآسيا إلى معاقل الصناعة لتلبية الطلب على قوة العمل الرخيصة
والراضخة. ويكون لمثل هذه الحرآة آثارا ضخمة على الأفكار التقليدية بما فيها تلك
المتعلقة بالأسرة. إلا أن الأسرة تظل مكانا خانق وأحمق يتم فية تعلم وتدريس
السلوآيات والأدوار, ويجرى خلالها نقل القيم والتحيزات عبر الأجيال. وتتغير
الأسرة لتناسب حاجة الرأسمالية لكنها لا تختفى, حيث يتطلب الأمر إنقلابا خارج
الاسرة حتى يتم البدء فى تحقق ذلك.
ما الذى يحافظ على إستمرار الأسرة؟
إذن فما الذى يحافظ على بقاء الأسرة اليوم؟ إذا لم نوافق على أن المصلحة المادية
للرجال هي التى تقوم بذلك فماذا إذن؟
يعتمد وجود الأسرة على عاملين أساسيين, رغم مساهمة عديد من العوامل
المساعدة أيضا. فيجب النظر اولا الى المصالح الاقتصادية لرأس المال فى الحفاظ
على بقاء الأسرة. إن الدور الذى تلعبه الأسرة فى إعادة إنتاج القوى العاملة والأجيال
التالية من العمال قد تم توضيحه بإستفاضة ( 24 ). ويسمح آل من وجود أجر الأسرة
–حتى إذا آان هذا الأجر يكفي بالكاد عملية إعادة إنتاج الأسرة ويحتاج إلى الدعم عن
طريق المنافع التى تقدمها الدولة وعبر عمل الزوجة لبعض الوقت— ووجود العمل
المنزلى المجانى، بأن تكون تكلفة إعادة إنتاج النوع رخيصة للغاية.
وإذا آان النظام الراسمالي قادرا على تحقيق نموا متواصلا خلال عديد من العقود,
فأنه يفترض إمكانية إحلال آليات أخرى محل الوظيفة الاقتصادية للأسرة. وآما
أوضحت إيرين بروجيل بشكل قاطع فانه قد يكون ممكنا بالنسبة للنظام أن يرفع من
من فائض القيمة الكلى إذا آان القيام بمعظم أو آل العمل المنزلى والاعتناء بالاطفال
يجري بواسطةالعمل المأجور المنظم على أساس رأسمالى, على ان يتم تحرير جميع
.( النساء من هذه الأعمال، لأجل إنتاج القيمة وفائض القيمة لمصلحة رأس المال ( 25
ومن ثم فلازالت مسئولية إنجاب الأطفال ورعايتهم تترك للنساء، وهو ما يفسر
لماذا تستمر الأسرة ويدوم قهر النساء. إن دور النساء آأمهات وراعيات للاطفال
يتحكم فى آل حياتهن. وأن قيامهن بالعمل لبعض الوقت، بدلا من العمل المنتظم، هو
نتاج لدورهن آأمهات, آما أن الأجر غير المتساوى والمنخفض بشكل عام الذى
تتلقاه النساء هو بسبب عدم النظر إليهن آعوائل. فمنذ أن تولد المرإة فى المجتمع
الرأسمالي يكون من المفترض أنها ستصبح مختلفة عن الرجل, حيث أن قمة الإنجاز
بالنسبة لها هو الأمومة والزواج.
ومن الناحية النظرية, لا يوجد مبرر لوجوب إضطلاع المرأة برعاية الأطفال
والقيام بالجزء الاآبر من العمل المنزلى لمجرد أنها تقوم بالانجاب. ولكن فى عالم
يضطلع فيه الأفراد –وليس المجتمع — بتكاليف عملية إعادة إنتاج النوع, ويوجد به
تقسيم جامد على أساس الجنس, ولا يكون معدلات الأجر للوظائف التى تشغلها المراة
مساويا لمعدل أجر الرجل, لا يكون هناك بديل لهذا الوضع. حيث يصبح من المنطقى
بالنسبة للمرأة أن تكون هى الطرف الذى يبقى فى المنزل.
إن الحديث عن المشارآة فى العمل المنزلى, وقبول الرجال القيام بدور "ربة
المنزل" فى مثل هذا العالم يكون ممكنا فقط بالنسبة لأقلية ضئيلة من الناس، وذلك
حينما توجد لدى المراة مهنة أو حرفة تمكنها من تحقيق آسب يساوى أو يزيد عما
يحققه الرجل. وحتى آنذاك يكون من الصعب التغلب على الأفكار التى يتبناها
المجتمع والقائمة على عدم مساواة المرأة للرجل. وبالنسبة لجماهير العمال تكون مثل
هذه المشارآة فى الادوار بمثابة الأحلام التي لا اساس لها من الواقع.
وتستخدم الاعتبارات الأيديولوجية فى تعزيز الأهمية المادية التى تمثلها الأسرة
بالنسبة للرأسمالية. لا أقصد بذلك أن الراسماليين هم متعصبين ذآوريين يريدون
الإبقاء على النساء فى منزلة أدنى من الرجال –رغم انهم عادة ما يكونوا آذلك.
ولكننى أعنى أن الأسرة تقدم بعض الدعامات الأيديولوجية التى تحافظ على تماسك
النظام مع بعضه البعض.
ففى آل مرحلة من تطور النظام الرأسمالى آان على هذا النظام أن ينشئ أبنية
تربطه بأولئك الذين يقوم باستغلالهم. وتستمر هذه الأبنية فى الوجود فى المراحل
اللاحقة من تطور النظام حينما تتطلب حرآته الاقتصادية أبنية جديدة. وتندمج الأسرة
مع شبكة معقدة من هذه الأبنية التى تستفيد من اقتناع ربات البيوت –المعزولين فى
المنزل والمقطوعى الصلة عن التجمعات الأآبر التى تتشكل حول الإنتاج
الصناعي— بالأفكار الجامدة الخاصة بوضعيتهن فى المجتمع. فنتيجة لاعتماد
النساء على الأزواج فى المعيشة, يمكن إقناعهن بأن أى نوع من التغير الاجتماعى
هو بمثابة تهديد لأسرهن وأمنهن. ومرة أخرى, تعتمد هذه الأبنية التى يكون العامل
فى ظلها قلق على سلامة زوجته وأطفاله ونفسه أيضا, على تردد العامل قبل
وبفرض حدوث توسع إقتصادى غير محدود لفترة طويلة من الزمن, فإن النظام
يمكنه تطوير أبنية أيديولوجية جديدة لتحل محل تلك الخاصة بالحفاظ على بقاء
الأسرة بشكلها الحالى. غير أن تلك ليست هى حالة النظام الذى يتمسك اليوم بأية
وسائل للدعم يجدها فى متناوله –وذلك يفسر عدم قدرة جنوب ايطاليا وأيرلندا
الشمالية على الإستغناء عن أبنية عتيقة مثل نظام المافيا أو الأورنج. وبالتالى فالنظام
الرأسمالى يكون أقل إستعدادا لدراسة التخلى عن بناء آالأسرة التى لازالت تمده
بخدمات إقتصادية معينة.
وتحاول النظرية المارآسية للأسرة تفسير إستمرار قهر النساء فى سياق دورهن
فى إنجاب ورعاية الاطفال. وتزعم هارتمان أن المارآسية تغفل أهمية اختلاف
النوع، أو بمعنى آخر أن المارآسية يمكن أن تفسر لماذا يوجد الناس فى أوضاع
بعينها دون أن تستطيع تفسير لماذا هؤلاء الناس هن نساء. لكن الحقيقة هي أن
النظرية المارآسية تقوم بذلك بشكل دقيق، وتضع قهر النساء فى سياقه التاريخي،
وتفسر إستمرار وجود هذا القهر في ظل المسئولية الفردية للنساء عن إعادة أنتاج
النوع, والتى بدورها تحكم حياة النساء بأآملها. وآذلك تضع المارآسية الحل لهذه
المشكلة وهو الاشتراآية التى سوف تكون البداية لتحطيم الشروط المادية التى تسبب
إضطهاد النساء، والأفكار التى تظهر بناء على هذه الشروط –تلك الأفكار التى
نعرفها جيدا حول أن وجود الأسرة واضطلاعها برعاية الأطفال هى من المسائل
الطبيعية, وأن بقاء المرأة فى المنزل هو أمر طبيعى. ويمكن للنظرية المارآسية أن
تقوم بذلك عبر نقل مسئولية العناية بالأطفال من الفرد إلى الجتمع آكل. ويمكن لذلك
ان يفتح المجال أمام عالم جديد لملايين النساء والسماح لهن بالتصرف آأنداد فى
مجتمع جديد.
خاتمة
لا تعد النظريات البطريرآية فى الواقع نظريات لتحرير المرأة, حيث أنها تبدأ
بتفسير أوضاع الرجال والنساء بناء على إعتبارات بيولوجية فجة, بدلا من الإنطلاق
من تقدير الوضع المادي للمرأة في المجتمع الرأسمالي. آما لا تشير هذه النظريات
إلى طريق للامام لتحرير النساء.
فلماذا اذن أصبحت هذه النظريات تحظى بشعبية آبيرة؟
يجب البحث هنا بشكل شديد الإيجاز فى آيفية تطور حرآة المراة منذ أواخر
الستينيات.
نشأت الحرآة النسائية فى نهاية الستينيات آنتاج لتغير دور المرأة فى المجتمع. فقد
آان دخول النساء إلى قوة العمل وتزايد سيطرتهن على عملية الإنجاب يعنى أنه
أصبح لديهن أفكارا جديدة حول الدور المناط بهن ومستقبلهن المهنى وتطلعاتهن.
وأدى التوسع الكبير فى التعليم العالي إلى تغذية وتطوير مثل هذه الافكار. ورغم ان
التعليم العالي شهد تمييزا ضد النساء فى العديد من المجالات, إلا انه آان يعنى أن
النساء أصبحن للمرة الأولى قادرات على إحتراف مهن مرتفعة الأجر نسبيا, وذات
أجر متساوى مع الأجر الذي يحصل عليه الرجل، ولو من الناحية الرسمية . وبالنسبة
لغالبية النساء آان ذلك يمثل تطورا هائلا مقارنة بحياة أمهاتهن وجداتهن.
غير ان الافكار القديمة حول النساء ظلت متأخرة عن مجاراة الواقع. وفى الحقيقة
فإن الأفكار الخاصة بالجنس والسلوك الجنسى تغيرت, لكن النظرة القديمة للمرأة آأم
وزوجة ظلت ثابتة. إن آافة أنواع التشوهات القانونية السائدة، آانت تعنى أن النساء
آن يعاملن عادة بشكل أفضل قليلا من الاطفال حينما يتعلق الأمر ببيع أو تأجير أو
شراء السلع أو القيام بعمليات الرهن. وآذلك لازالت الإعلانات ترسم صورة
نموذجية للمرأة داخل المنزل –لا توجد صلة آبيرة بينها وبين الواقع.
وآان نتيجة للصراع بين الواقع الاقتصادي والاجتماعي الجديد للمرأة، وبين
الأنماط القديمة أن ظهرت أفكار تحرير المرأة. فبشكل ما شعرت النساء بأنهن جيدين
مثلهم مثل الرجال، لأنهم آن بالفعل يقمن بأعمال تفوق تلك التى يقوم بها معظم
الرجال، إضافة إلى الأعباء المنزلية.
وآان هناك شعور خلال السنوات الأولى من عمر حرآة المرأة بأنه يمكن تغيير
آل شئ, بل الأآثر من ذلك أن هذا التغيير آان يجري بالفعل. إن أحداث عام 1968
(هامش: هو عام تصاعد الحرآة العمالية واليسارية وما ارتبط بهما من أفكار
تحررية) أنتجت فئة واسعة مجذرة ومنفتحة تجاة أفكار الحرآة النسائية. إن العديد
من الأفكار التى طورتها نساء من داخل حرآة المرأة –وغالبيتهن الساحقة من
المهنيات المتعلمات— ضربت على بعض الأوتار لدى نساء الطبقة العاملة. ورغم
صعوبة قياس التغير فى الوعى, لكن نظرة سريعة على التوزيع الكبير لمجلات
المرأة خلال الخمسة عشر سنة الماضية سوف تبين الدرجة التى تم بها تناول شئون
الجنس والبطالة والعديد من القضايا الاجتماعية الأخرى جنبا إلى جنب مع التقارير
المعتادة حول نجوم السينما والعائلة المالكة. وآان هناك دوما هوة واسعة بين الحرآة
النسائية ونساء الطبقة العاملة, وآان الاتصال بينهما ضع
Par Med Mht dans علم الاجتماع مكناس les étudiant de la faculté des lettre SOCIOLOGIE Meknès (Fichiers) · Modifier le document · Supprimer
النظريات البطريركية
ليند ساي جيرمان
لعل النظرية الأآثر صمودا وإنتشارا فى محيط الحرآة النسائية اليوم هى النظرية
البطريرآية (هامش: البطريرك هو الأب والنظرية البطريرآية هي نظرية السيطرة
الذآورية التي ترى أن الرجال هم مصدر الاضطهاد الواقع على النساء). وتتخذ هذه
النظرية أشكالا مختلفة, لكن الأفكار الرئيسية التى تستند اليها -والمتعلقة بكون
سيطرة الذآر او التحيز للنوع أمرا لا يوجد فحسب آنتاج للرسمالية ولكنه منفصل
تماما عن نمط الانتاج الرأسمالى ومن ثم فسوف يدوم بعد زواله- تحظى بقبول واسع,
حتى ان رفض هذه النظرية برمتها يقابل بدهشة تامة وحقيقية.
وتحظى هذه النظريات بفهم محدود لكيفة تغير أشكال قهر المرأة وطبيعة الأسرة
عبر التاريخ. ولا يوجد لديها تصور يعتد به حول مدى الإختلاف الواسع بين الأشكال
التي يتخذها قهر المرأة من طبقة إلى أخرى. وبدلا من ذلك فان ما تقدمه لنا هذه
النظرية هو ما تعتقد أنه حقيقة مطلقة، مفادها ان البطريرآية سواء اتخذت هذا الشكل
أو ذاك هى سبب قهر النساء.
ويتم تبرير هذا الطرح عبر الإشارة الى أن قهر المرأة يوجد خارج مجتمعات
الغرب الرأسمالي, وذلك فى المجتمعات السابقة على الرأسمالية اوتلك المسماه
بالإشتراآية فى روسيا والصين وآوبا وشرق اوروبا.
وتدعم النظرية البطريرآية التصور المتفق عليه بشكل واسع فى داخل الحرآة
النسائية، والقائم على وجوب الفصل بين صراعين, هما صراع الحرآة العمالية ضد
الرأسمالية ومن أجل تحقيق الاشتراآية, والصراع الذى تخوضه النساء ضد السيطرة
الذآورية. ومن الناحية المنطقية فإن الفصل بين الصراعين هذا يفترض انفصال
التطور الإجتماعى للجنسين فى المستقبل, وهو المنطق الذى لا يقبله المؤيدون
لنظرية البطريرآية. ولكن إذا آانت البطريرآية هى الطريقة التى يقوم بواسطتها
جميع الرجال بإضطهاد جميع النساء, فكيف يمكن التغلب عليها فى ظل استمرار
التفاعل بين الرجال والنساء؟
اريد هنا ان اقدم طرحا مختلفا تمام الإختلاف, وان أرفض مفهوم البطريرآية الذى
يمكن إعتباره فى افضل الأحوال مفهوما مشوشا يشير ببساطة اضطهاد المراة دون
ان يكون قادرا على طرح تفسير لهذا الاضطهاد. آما انه فى اسوء الأحوال يعد
مفهوما مثاليا ليس له اساس فى الواقع المادى. وأريد أن أبين أن المستفيد من قهر
النساء هو رأس المال وليس الرجل. آما أود البحث فى االتغيرات التي حدثت في
طبيعية الأسرة وآيفية تأثيرها على تغير تصور النساء عن أنفسهن. ولعله من
المأمول أن نوضح أن إستمرار قهر النساء ليس نتاج مؤامرة ذآورية (أو تحالف بين
العمال الذآور والطبقة الرأسمالية), ولكنه نتاج لديمومة المجتمع الطبقى فى العالم
وأخيرا أريد أن أبحث فى السؤال الذى دائما ما يطرح على الإشتراآيين, والمتعلق
استمرار وجود الأسرة الأسرة البروليتارية (هامش: البروليتاريا هي الطبقة العاملة
والاسرة البروليتارية هي الأسرة العمالية) رغم اعتقاد أنجلز والمارآسيين الأوائل
بأنها سوف تختفى بسبب عدم أستنادها إلى علاقات الملكية، وذلك على عكس الأسرة
البرجوازية (هامش: البرجوازية هي الطبقة المستغلة في المجتمع الراسمالي).
ونظرا لأنى لا اعتقد أن بقاء الأسرة العمالية لا يرجع إلى السيطرة الذآورية، فأنى
أود أن أتناول بدقة ما الذى يؤدى إلى استمرار وجود الأسرة.
الاشكال المختلفة للنظرية
إن الشئ الطريف بالنسبة للنظرية البطريرآية هو أنها تستطيع أن تقدم الحل
السحري للجميع، ذلك أنها تتغذى على "المشاعر الغامضة" التى تفتتن بها قطاعات
من الحرآة النسائية أآثر من إعتماد هذه النظرية على تحليل مادى لمسالة اضطاد
النساء. ومن ثم فانه حتى البحث عن تعريف للفظ البطريرآية يصبح مسألة صعبة
نظرا لوجود الكثير جدا من التعريفات التى يمكن الاختيار فيما بينها.
يمكن على سبيل المثال أن تشير البطريرآية إلى نوع المجتمعات التى يكون فيها
الأب (البطريرك) مسيطرا ليس فحسب على نساء العائلة وانما على الذآور الاصغر
سنا ايضا. وتعتمد مثل هذه المجتمعات على الانتاج الفلاحى او الحرفى, ويمثل
المنزل, على الاقل جزئيا, القاعدة الانتاجية لها. وتنبع سلطة البطريرك من حيازته
للثروة المنتجة ومن ملكيته للارض. غير أنه فى معظم الاحيان لا يقصد بالبطريرآية
تلك المجتمعات التى وجدت فى لحظة تاريخية معينة. ذلك أنه حتى منظرى
البطريرآية الأآثر تشوشا, باستطاعتهم أن يدرآوا أننا لا نعيش اليوم فى فى مثل هذا
المجتمع الفلاحى, ولذلك فان ما يعنيهم هو القهر الذى تعانى منه المرأة فى الوقت
الحالى.
و يمكن القول ان نظرية البطريرآية تتخذ شكلين اساسيين:
فأولا هناك من يرون البطريرآية آمصطلح أيديولوجي أو فكري صرف. فعلى
سبيل المثال ترى جولييت ميتشيل ان هناك حد قاطع بين مجالين مستقلين نقوم
بالتعامل معهما, هما النمط الاقتصادى الرأسمالى, والنمط الايديولوجى البطريرآي
1). وتطرح آل من سالى ألكسندر وباربرا تايلور أطروحات مثيلة فى آتابهما )
.( "دفاعا عن البطريرآية" ( 2
غير انه يجب وضع هذا الفصل بين الاقتصاد والايديولوجيا موضع مساءلة. حيث
أنه توجد على الدوام صلة بين الاساس الاقتصاد لمجتمع ما والافكارالتى تنبثق فى
هذا المجتمع, ومن ثم لا يمكن النظر إليهما آمجالين منفصلين. وآما اوضح مارآس
منذ زمن بعيد إنه اذا إعتبرنا أن التاريخ هو مجرد نتاج لهيمنة الأفكار او تعاقبها
فانه يصبح من غير المستطاع وضع اى تفسير حول تطور المجتمع.
واذا ما رفصنا التصور الميتافيزيقي لوضع المرأة , فانه يجب البحث فى الظروف
المادية التى تجعل البشر يتصرفون بشكل معين –دون غيره— فىعلاقتهم بالعالم
ومن ثم في علاقتهم ببعضهم البعض. ومن ثم فأن أساس قهر المراة, مثله مثل أساس
أى ظاهرة إجتماعية أخرى, يجب أن يدرس فى ضوء هذه الظروف. وبذلك يمكننا
أن نفهم الطريقة التى ظهرت بها الإفكار التى تبرر هذا القهر ومغزى المعرآة التى
خاضتها.
إن ما قاله مارآس عام 1845 ينطبق على مسالة قهرالمرأة آإنطباقه على أية
ظاهرة اخرى فى مجتمعنا. فقد أعتبر مارآس أنه " لكى نصل إلى حقيقة الإنسان,
نحن لا ننطلق من أقواله أو تخيلاته أو تصوراته, آما لا ننطلق من الذى يتم روايته
أوتخيلة أو تصوره عنه. وأنما ننطلق من الإنسان الحقيقى والفاعل, وعلى أساس
الحياه الحقيقية للبشر, لنبين تطور الإنعكاسات والأصداء الأيديولوجية لهذه الحياة,
آالأخلاق والدين والغيبيات وآل ما تبقى من الأيديولوجيا وما يقابلها من اشكال
مختلفة للوعى. ومن ثم فإننا لم نعد نحتفظ بتلك الصورة المستقلة لأشكال الوعى, التى
ليس لها تاريخ أو تطور فى حد ذاتها. لكن البشر, عبر تفاعلهم المادى وقيامهم
بتطوير الإنتاج المادى, يغيرون, مع التغير الفعلى لحياتهم, تفكيرهم ومنتجات هذا
( التفكير. إن الحياة لا تتحدد بالوعى, وإنما الوعى هو الذى يتحدد بالحياة."( 3
وعلى النقيض من ذلك, اذا اعتبرنا ان البطريرآية هى نمط فكرى, فان ذلك يعنى
ان الافكار تدعم نفسها بنفسها ولا يوجد لها أساس مادي. وآنذاك يصبح النضال من
اجل تحرير المراة منفصلا عن النضال ضد الاستغلال الذى يمكن ان يربط بين
المصالح الحياتية لملايين العمال من الرجال والنساء. وبدلا من ذلك يصبح هذا
النضال –آما تدعو ألكسندر وتايلور— مجرد نضال ثقافى لأجل تغيير افكار البشر
بمعزل عن تغيير المجتمع. ومن هذا المنطلق يصبح من السهل أن ندرك آيف تتطور
الأفكار الداعية إلى حرآة مستقلة للمرأة. غير انه اذا آانت الافكار تتمتع باستقلالية
عن الاستغلال الاقتصادى, فلماذا لا يكون النضال ضد قهر المراة مستقلا أيضا؟
إن إدراك بعض النساء لهذا التناقض جعلهم يحاولن تطوير نظريات مادية
للبطريرآية, فيجادلن بأن جميع الرجال يستفيدون من قهر النساء، وانهم قادرين على
ذلك بسبب الفروق البيولوجية الجوهرية بين الجنسين. وهنا توجد اسس البطريرآية.
وآما تشير روبرتا هاميلتون: "ان تحليل الحرآة النسوية يخاطب الايديولوجيا
البطريرآية, هذا النمط البطريرآى الذى يقف وراء سيطرة الذآر وخضوع الانثى
فى اى مجتمع آان. لكن هذه الايديولوجيا تستند الى الاختلافات البيولوجية بين
( الجنسين, وهو ما يعطيها اساسا تاريخيا خاصا بها.( 4
وتطور آريستين ديلفى فى آتابها العدو الاساسى( 5), هذه الاطروحة المادية
إنطلاقا من رؤية نسوية راديكالية. وقامت هيدى هارتمان بمحاولة مثيلة عبر
استخدامها لمقولات مارآسية. وقد اردت ان أتناول هذه الاخيرة بدرجة من التوسع.
فإذا آان من الممكن إثبات خطأ هذا لنوع من المقولات فان محاولة الدمج بين
النظرية البطريكية وبين المارآسية تتهاوى بكاملها.
هل الرجال هم من يستغل النساء؟
تعرف هارتمن البطريرآية باعتبارها "مجموعة من العلاقات الإجتماعية ذات
الاساس المادى التى تربط بين الرجال, والتى رغم انها تتمتع بهيرارآية إلا انها
تخلق تضامنا فيما بينهم يمكنهم من السيطرة على النساء." وتمضى قدما لتقول "إن
الرآيزة المادية التى تعتمد عليها البطريرآية تتمثل أساسا فى سيطرة الرجال على
قوة عمل النساء.... وهذه السيطرة لا ترجع فقط قيام النساء بعملية انجاب الأطفال في
داخل الاسرة, وإنما على آل الابنية الإجتماعية التى تمكن الرجال من السيطرة على
عمل النساء... ويتم الحفاظ على هذة السيطرة عبر حرمان المراة من التحكم فى
الموارد الاقتصادية الضرورية التي يتم انتاجها، وآذلك عبر تقييد السلوك الجنسى
( للنساء."( 7
فعن طريق حرمان النساء من الحصول على هذه الموارد الاقتصادية, يقيم الرجال
تحالفا مع راس المال. وتوجد الدلائل ذلك على فى تطور الراسمالية وفى طريقة
تفاعل الطبقة العاملة مع مشكلاتها, والتى تتخذ شكل المطالبة بتشريعات حمائية
وأجر يكفى العائلة. وتستطرد هارتمان لتشير الى ان نضال العمال فى سبيل هذين
المطلبين يهدف إلى تحقيق المنفعة لهم, وذلك عبر ابقاء النساء فى المنزل ليخدموا
الرجال وفى الوقت ذاته تتحقق سيطرة الرجال عليهن جنسيا.
ولكن هل هذة الطريقة في تفسير الأحداث صحيحة؟
ان تطور الرأسمالية فى بريطانيا أدى إلى تدمير الانتاج المنزلى ودفع النساء
والاطفال مثلهم مثل الرجال إلى نظام المصنع. وآان ذلك له اثرا مدمرا على اعادة
انتاج الطبقة العاملة. فقد بلغت معدلات وفيات الاطفال حدا مرعبا نظرا –وآما
اوضح مارآس فى راس المال— لطول ساعات عمل النساء خارج المنزل. فقد آان
الأطفال يترآون مع اطفال اآبر قليلا او مع أفراد يناط هم العناية بالأطفال، والذين
يهملونهم او يعملون على ابقائهم هادئين بواسطة مشروب الجين او صبغة الافيون.
وعندما يكبرهؤلاء الأطفال إلى الحد الكافى ليصبحوا قادرين على العمل على الآلة,
يتم دفعهم أيضا للعمل فى المصانع. وآما يبين مارآس فان: "البديل الجبار للعمل
وللعمال, اى الالة, آانت تتحول بدرجة سريعة الى وسيلة لزيادة اعداد العمال
الاجراء, عبر الايقاع بكل أفراد أسرة العامل تحت النفوذ المباشر للراسمالية, دون
تفرقة عل اساس من السن او الجنس."
ان هذه الاوضاع التى يصفها مارآس فى "رأس المال" وأنجلز فى "حالة الطبقة
العاملة الانجليزية", ( تبين آيف آان نظام المصنع مرعبا فى مرحلته المبكرة. إن
أثر هذا النظام الجديد آان تفسخ الاسرة نتيجة إلى تحول آل عضو فيها الى عامل
اجير. ومن ثم فقد وضع الإستغلال الرأسمالي, رغم قسوته, أسس المساواة بين رجال
ونساء الطبقة التى لا تملك، اى البروليتاريا. فكلاهما أصبح مضطرا للإعتماد على
العمل الماجور وفقد الرجال وضعية المالك الذي يتحكم في الزوجة والأطفال. ولهذا
ولكن ما لم يقدرة انجلز التقدير الصحيح هو أثر نظام المصنع على عملية إعادة
إنتاج النوع نفسها. ففى مانشستر التى آانت ربما أآثر مراآز الانتاج المصنعى تقدما,
بلغ عدد وفيات الاطفال 26،126 لكل 100،000 طفل عمرهم اقل من سنة واحدة
9) وهو ما يعادل ثلاثة أمثال نظيره فى بعض المناطق غير الصناعية. ومن ثم فإن )
العناصر الابعد نظرا بين الطبقة الحاآمة آان بإستطاعتهم أن يدرآوا أن النظام الذي
يضمن إمداد الرأسمالية بقوة العمل المسبقبليه آان جارى تدميره.
وآان نتيجة لتلك الأوضاع أن ظهرت المطالبة بتشريعات حمائية وبأجر يناسب
الأسرة. وقد تناسبت هذه المطالب مع الحاجات المتغيرة للرأسمالية ولكنها نتجت
أيضا جزئيا من حرص رجال ونساء الطبقة العاملة الفعلي على تحقيق مستوى
معيشة أفضل وظروف إنجاب أآثر أمنا ومنازل أآثر نظافة.
جادل منظرو البطريرآية مثل هارتمان بأن الرجال تحالفوا مع رأس المال
لإستبعاد النساء من بعض الوظائف. وفي حقيقة الأمر، آانت هناك محاولات بهذا
الصدد، حيث قام العمال الحرفيون المهرة بإستخدام نقاباتهم من أجل إستبعاد النساء
من بعض الحرف. لكنهم لم يستبعدوا النساء فحسب, فلم يكن متاحا لأبناء العمال غير
المهرة والعمال المهاجرين فرصة للتدريب على هذه الحرف أآثر من تلك الفرصة
المتاحة للنساء. ومن ثم فقد تم إستبعاد أى شخص لم يتتلمذ فى هذه الحرف. إن ما
تطرحة هارتمان إذن هو مد لمفهوم البطريرآية لحدود عبثية بهدف إعطاء معنى لما
تسميه "تفوق الذآر الأبيض". ولعلنا نتجاوز العبثية إذا ما حاولنا أن نواءم بين مفهوم
البطريرآية والحقائق التاريخية فنقول "تفوق الذآر الأبيض الماهر" الذى لا يمارس
التمييز فقط ضد جميع النساء وجميع المهاجرين ولكن ضد غالبية العمال الوطنيين
أيضا بسبب آونهم عمال غير مهرة.
والاآثرمن ذلك إن بعض المجالات التى تم إستبعاد النساء منها لم تكن بها إتحادات
نقابية أو آانت لها اتحادات ضعيفة، وفى حالة لا تتيح لها إستبعاد اى فرد. إن إقرار
التشريعات التى تستبعد النساء من بعض الصناعات قد تم بواسطة البرلمانات
البرجوازية نتيجة للإعتقاد بأن ظروف العمل فى هذه الصناعات آانت مضرة لعملية
خلق الجيل القادم من العمال – سواء حدث ذلك بشكل مباشر حيث آانت النساء
الحوامل تقمن بأعمال تضر بالجنين, او بشكل غير مباشر حيث لم تسمح لهن ساعات
العمل بأن يلعبوا الدور المناط بهم لتنشئة الاطفال. اذن فلم يكمن الدافع لاستبعاد
النساء في "الرجل البطريرآى" وانما ارتبط هذا الاستبعاد برؤية الرأسمالية
لإحتياجاتها المستقبلية.
ومن ناحية أخرى، فإن النظرية التى تقول أن أجر الأسرة – أي الاجر الذى يعطى
للرجل لا لكى يكفيه فحسب وإنما يكفى لمعيشة اسرته ايضا- آان نتاج مؤامرة
رأسمالية بطريرآية لإبقاء النساء خارج العمل، هي نظرية لا تستطيع الصمود. ذلك
أن أجر الأسرة أصبح فى مصلحة رأس المال, بمجرد أن سمح تطور قوى الانتاج
بخلق القيمة التى تكفى لتغيطة تكلفة اعادة انتاج الاسرة بكاملها، وإمداد الراسماليين
لكن أجر الأسرة لم يحقق فائدة مادية للرجال, حيث لم يكن يكفي سوى لتغطية الحد
الأدنى المطلوب لإعادة إنتاج الأسرة، أى القدرالمطلوب للحفاظ على حياتها. فلم
يسفر هذا الأجر بالتاآيد عن رفع مستوى إستهلاك العامل الذآر, حيث أنه آان بشكل
عام أدنى بدرجة آبيرة من الدخل المشترك للعائلة الذى آان سيتم الحصول عليه فى
حالة عمل الزوجة والاطفال. وفي الحقيقية فأن العامل آان يحصل على دخل
متضمن أجر العائلة, إلا أن آافة الضغوط القانونية والايديولوجية الممكنه قد
استخدمت لتشجيع انفاق هذا الدخل لأجل الحفاظ على حياة الأسرة بكاملها لا على
متع الرجل الشخصية.
ومن ثم فإن افتراض أن إرتفاع أجر العامل ليشمل اجر الاسرة، يحقق ميزة للرجل
يعنى عدم فهم نظام الأجر فى آليته, آما يعبر عن الاهتمام بشكل هذا النظام لا
مضمونه, وعن التشوش في فهم الطريقة التى تظهر عليها الأشياء فى الرأسمالية,
حيث يبدو صاحب الأجر آما لو آان السيد المستهلك الذى له حرية إستخدام الدخل
الذى يملكه, بدلا من إدراك أن هذا الدخل يجب إنفاقه فى إعادة انتاج الأجيال القادرة
على خدمة رأس المال. وفى ظل نظام أجر الأسرة, تعانى المرأة المتزوجة طالما
آانت مستبعدة من اامشارآة فى الانتاج الرأسمالى المباشر, ومن ثم فإن مثلها مثل
العاطلين عن العمل, تحرم حتى من الظهور بمظهر المستهلك المتحكم. ويعد ذلك
جانبا مهما مما نعنيه عند قولنا أن الزوجات اللاتى بلا عمل مقهورات بينما العمال
مستغلون. لكن ذلك لا يعنى بأي حال أن الرجال يستفيدون من قهر النساء.
وبالطبع آان هناك بديل للمطالبة بأجرالأسرة يتمثل فى النضال من أجل تسهيلات
آافية لرعاية الأطفال, وأوقات مخصصة لانصراف الامهات من العمل, وأجر
متساوى. وتبين هارتمان أنه: " بدلا من النضال من أجل أجور متساوية لكل من
الرجال والنساء, أراد العمال الذآور الحصول على أجر يكفى للعائلة, حيث أرادوا
الحفاظ على الخدمات التى تقدمها لهم الزوجات داخل المنزل. فقد آان من الممكن فى
حالة عدم وجود البطريرآية أن تقوم طبقة عاملة موحدة بالتصدى للرأسمالية, لكن
العلاقات الإجتماعية البطريرآية قسمت الطبقة العاملة وسمحت برشوة احد طرفيها
( (الرجال) علىحساب الطرف الاخر (النساء)".( 10
لكن هل آان ذلك الفعل هو البديل المطروح؟
فأولا لم يكن العمال الذآور يمثلون طبقة موحدة ومنظمة بوعي آما تدعى
هارتمان. فلم يكن غالبية العمال حتى اعضاء فى النقابات, وظلوا لفترة طويلة عقب
انهيار التشارتية (هامش: الحرآة الميثاقية وهي حرآة إصلاحية تبنتها الطبقة العاملة
وثانيا آانت هناك مشكلة بالنسبة لنساء الطبقة العاملة اللاتى يعملن, وهى
الخطرعلى الحمل وعلى معدل إنجاب الاطفال. أما الآن, فالنساء فى أى من الدول
الرأسمالية المتقدمة, ترفضن إنجاب العديد من الأطفال – إذا قبلن الإنجاب من
الاساس. إن إمكانية حصولنا على موانع للحمل, حتى لو آانت غير آافية, لم تكن
متخيلة إطلاقا بالنسبة للأجيال الماضية. فبالنسبة لهؤلاء النساء لم يكن هناك بديل
لقضاء الحياة فى انجاب الأطفال, غير المرغوب فيهم عادة, سوى الإمتناع عن
ممارسة العلاقة الجنسية. ومن ثم فبانسبة لرجال ونساء الطقة العاملة، آان إنجاب
الاطفال أمرا واقعا. وفى ظل هذه الظروف، عادة ما يرغب آلاهما فى تحقيق
الحماية النساء. ويفسر ذلك –بطريقة افضل من نظرية المؤامرات ذآورية— لماذا
آانت النساء تترآن العمل عند الزواج, ولماذا آان الرجال يحصلون على أجر
الأسرة.
غير أنه لا زالت هناك حقيقة أن هذه الخطوات الخاصة بأجر الأسرة واستبعاد
النساء من بعض الأعمال قد وجهت لطمة لفرص النساء فى التغلب على وضعهن
الإجتماعى المتدنى. فقد قدمت الرأسمالية الشروط الكامنة للمساواة بين النساء
والرجال, لكن هذه المساواة لم تكن لتتحقق فعليا داخل هذا النظام. فلصالح اعادة انتاج
قوة العمل, تم عزل النساء فى المنزل وبالتالي تفتيت وحدتهن. وآان يعتقد أن
وظيفتهن تتمثل فى خدمة أزواجهن وأسرهن, وبالتالي فقد حرموا من الاستقلال
المالى. إلا ان هذا "النموذج المثالى" لم يعبر ابدا عن واقع حال آل نساء الطبقة
العاملة, حيث أن العديد منهن ظللن منخرطات فى العمل المأجور بشكل دائم. غير
ان الافكار السائدة التى آانت تروج لمفهوم الاسرة باعتبارة مفهوما مقدسا, آانت
تسعى لإسقاط نموذج العائلة البرجوازية على الطبقة العاملة من أجل ضمان اعادة
انتاج النوع. و آان أن قبل رجال ونساء الطبقة العاملة هذا النموذج للاسرة باعتبارة
النموذج "الطبيعى", حتى لو لم يكن متوافقا مع واقع حياتهم الشخصية.
وحتى فى يومنا هذا , حيث أدى تطور الرأسمالية إلى دفع غالبية النساء الى سوق
العمل, فان الصورة التقليدية للمراة لم تختف, وان آانت قد تآآلت بدرجة حادة. إن
سلوك المجتمع تجاه المراة وآذلك سلوك النساء نحو انفسهن قد تطور بدرجة هائلة
تحت التاثيرالمزدوج لسيطرتهن على الانجاب بسبب ظهور موانع الحمل، ودخولهن
سوق العمل. ان الطريقة التى اثر بها تغير الاوضاع المادية على تغير السلوك تجاة
المراة تعد فى حد ذاتها ردا على المقولة التى تعتبر قهر المرأة نتاجا لسيطرة
أيديولوجيا ذآورية غامضة غير قابلة للتغير.
تجادل هارتمان بأن الرجال يستفيدون من عمل النساء داخل المنزل وتتساءل: "من
يستفيد من عمل النساء؟ بالتاآيد الرأسمالية, ولكن بالتاآيد ايضا الرجال, الذين
أنه لمن الحقيقى بالطبع أن النساء يتحملن الآن الجانب الأعظم من عبء رعاية
الاطفال والاعمال المنزلية. ولكن هل ينتج من ذلك أن الرجال يستفيدون من عمل
النساء؟ إن تقسيم العمل يعنى قبل آل شئ أن الرجال يقومون بأعمال مختلفة فى
المصنع عن تلك التى يقومون بها فى المنزل . ولكن القول بان عمل اللحام هو افضل
او أسوء العمل المنزلى يعنى النظر إلى آل من نوعى العمل بطريقة ذاتية تماما
وغير قابلة للقياس. وينطبق ذلك أيضا على وقت الفراغ, حيث يحظى الرجال بأوقات
فراغ محددة من حيث الساعات، يميلون إلى قضائها فى أنشطة إجتماعية (مثل آرة
القدم)، بنفس درجة نزوعهم إلى الحصول على ساعات عمل أآثر تحديدا. ولكن لا
يمكن القول ببساطة ان هذه الساعات اآثر من تلك المتاحة للنساء.
إن العمل المنزلى, وفقا لتعريفة, هو عمل لا يخضع لايقاع مفروض من قبل
الاستغلال الرأسمالى, فى المصنع أو مكان العمل. فهو لا يتضمن القيام بمجهود
مكثف لعدد محدد من الساعات يتبعها فترة من الاستجمام تسمح بالعودة إلى القيام
بهذا المجهود المكثف المحدد زمنيا. ولذلك فأنه لا توجد طريقة لقياس وقت العمل
المنزلى ومقارنته بوقت العمل فى نظام المصنع. إن آل ما يمكن قولة بتيقن هو أن
آل من عمل المصنع والعمل المنزلى عملان مضنيان يؤدى أحدهما إلى امراض
ناتجة عن العمل – وهو ما يفسر لماذا تظهر أعراض أمراض مثل التهاب الشعب
الهوائية لدى الرجال بدرجة اآبر منها لدى النساء وآذلك إصابات العمل المفجعة
والارهاق الحاد والموت المبكر عادة— بينما يؤدى الآخر إلى تحطيم الروح
المعنوية والعزلة وعدم الإحساس بالأمن والعديد من العلل التى عادة ما يتجاهلها
الأطباء. إن الضرر الهائل الذى تعانيه النساء ليس إستغلال الرجال لهم بدرجة ما,
ولكن عزلتهن وبعدهن عن المشارآة فى العمل الجماعى والتى يمكن أن تعطيهن
الثقة لأجل النضال ضد النظام.
وفى الحقيقة فإن مشكلة المنافع التى يحصل عليها الرجال، يمكن ان تظهر فقط
بشكل حقيقى فى حالة الخروج عن تقسيم العمل النمطى بين "الذآر العامل" و"الأنثى
ربة المنزل". فإزاء الاندفاع المتزايد للنساء المتزوجات إلى سوق العمل, تجد الكثير
منهن أن عليهن القيام بتسيير أمور المنزل عقب إنتهاء يوم العمل المأجور الكامل.
ومن ثم يكون لديهن وقت للاستجمام أقل بكثير من ذلك المتاح لأزواجهن، حيث يجب
عليهن الجمع بين الاعمال المنزلية والعمل خارج المنزل. غير انه حتى فى هذه
الحالات فمن المشكوك فيه أن تزيد منافع الأزواج عن آونها منافع هامشية. إن
الجوانب المضنية والأآثر إرهاقا فى العمل المنزلى هى تلك المتعلقة برعاية
الاطفال، حيث ان "العالة" الكبير على عمل النساء المنزلى هو الطفل. غير أنه ليس
الزوج هو المستفيد من وجود الطفل, وإنما رأس المال الذى يضمن وجود مصدر
وعلى ذلك أريد أن أقول أن الرجال لا يستفيدون من عمل المراة فى الأسرة –حيث
يحصل النظام الارسمالى على الفائدة بأآملها— وأنه ليس حقيقيا أن الرجال ورأس
المال يتآمرون لأجل منع النساء من المشارآة فى الناتج الاقتصادى .
أننا نعيش فى حقبة يزيد خلالها عدد النساء العاملات فى الدول الأآثر تقدما عن
مثيلة فى أى فترة تاريخية سابقة، آما تختلف الوظائف التى يقمن بها عن تلك التى
يقوم بها الرجال. وبهذا المعنى يظل تقسيم العمل على أساس النوع باقيا آما آان من
قبل. آما تكون أجور الرجال والنساء بعيدة عن التساوي نتيجة لأن النساء عادة ما
يقطعن فترات العمل بالإنجاب –وان آان ذلك يحدث بمعدل أدنى بكثير مما آان علية
الحال منذ جيلين. ولا يزال متوقعا منهن أن يلعبن الدور الأآبر فى العناية بالاطفال
إلى جانب العمل.
غير أن طبيعة الوظائف التى تشغلها النساء يرتبط آثيرا بالتطور الراسمالى فى
الحقبة التى شهدت دخول النساء قوة العمل – وبخاصة التوسع فى قطاع الخدمات—
أآثر من آونه مرتبطا بوجود مؤامرة ذآورية تريد حصر النساء في مهن بعينها.
ويصبح ذلك واضحا بشكل خاص إذا ما قارنا وظائف النساء بتلك التى يشغلها
المهاجرون من الجنسين. ذلك أن عمل آلاهما يترآز فى أعمال النظافة والنقل
والمطاعم والصناعات الخفيفية وصناعات الأعذية— مع وجود إستثناءات قليلة مثل
العمل فى المسابك. ويعود هذا التشابة بين المهن التي يشغلها آل من المهاجرين
والنساء إلى أن آلاهما قد دخلا قوة العمل فى أوقات متقاربة. ومن ثم فإن عزل
النساء في وظائف بعينها لا علاقة له بالدور الذى يقمن به فى المنزل. وأحيانا ما يقال
أن وظائف النساء تمثل إنعكاسا للأمومة والعمل المنزلى, ولكن صناعة تعليب
الخضروات لا يمكن بأية حال إعتبارها إمتدادا لنوع العمل الذى تقوم به النساء فى
المنزل. ونفس الشئ بالنسبة لوظيفة صرافة البنك وآاتبة الملفات وأمينة الخزينة
وعاملة التليفون. وفى المكاتب تلعب النخبة من السكرتيرات المميزات فقط دور
الزوجة البديلة للمديرين, أما غالبية النساء العاملات فى وظائف آتابية لا يلعبن هذا
الدور بالتأآيد.
وحتى الكساد الحالى لم يؤد إلى طرد النساء بالجملة خارج قوة العمل.
وتزعم هارتمان أن "من أعراض سيطرة الرجال ان تعطل النساء لم ينظر إليه أبدا
بإعتباره مشكلة. وفى الثلاثينيات, تم التعامل مع البطالة واسعة النطاق عبر إستبعاد
النساء من آافة أنواع الوظائف، وتم أتباع نظام أجر واحد للعائلة, وآانت الوظيفة
.( للرجل."( 12
إن ما تقوله هارتمان هو ببساطة تصور خاطئ، حيث تثبت أحدى الدراسات حول
العمل فى الولايات المتحدة إن النساء دخلن قوة العمل خلال عقد الثلاثينيات بصورة
أآبر منها فى أى وقت سابق فى التاريخ الامريكى, وذلك رغم الخطاب الذى آان
ويمكننا أن نرى اليوم نزوعا مشابها. ولايعنى ذلك بالطبع إن رأس المال قد أصبح
منحازا للمراة ضد الرجل, ولكنه يعنى أن رأس المال سوف يستخدم الأيديولوجيا
التى ترى أن مكان المراة هو المنزل لأجل فرض أجور منخفضة, وإضعاف
إتحادات العمال ووضع ظروف أسوأ للعمل. إن السؤال الذى يجب أن تجيب عليه
النظرية البطريرآية هو أنه إذا آان رأس المال والرجال قد تحالفا بالفعل فلماذا لم
يتم القذف بالنساء خارج سوق العمل وإحلال العمال المتعطلين فى قطاعات المناجم
والصلب والسفن محلهن؟
هل طبيعة الاسرة لاتتغير؟
تشترك جميع النظريات البطريرآية فى الإعتقاد بأن سيطرة الذآر ظلت على حالها
بغض النظر عن التغيرات الاخرى فى المجتمع. إذا فالبطريرآية تدوم ويتم النضال
ضدها بمعزل عن النضال ضد الرأسمالية. وفى النظريات البطريرآية البيولوجية,
تعزى المشكلة إلى الإختلافات الجسمانية بين الرجال والنساء. ومن الناحية المنطقية
يكون الحل في هذه الحالة هو إستئصال او إزالة هذه المخلوقات. غير أن هذه
المقولات من السهل ضحدها، وهي لا تحظى إلا بتأثير محدود فى بريطانيا على أية
حال.
أما المقولات الاآثر نفوذا فهى من النوع الذى يطرحه أشخاص مثل هارتمان, التى
ترى الرأسمالية والبطريرآية بمثابة قوتين مختلفتين تتحالفان ضد النساء. وتقول لنا
ان "المارآسيين يبخسون بتأثير القوى الإجتماعية البطريرآية الموجودة من قبل
والتى يجب على الرأسمالية الناهضة ان تتحداها وتتكيف معها فى نفس الوقت." غير
أن هذا الرأي يفترض أن الأسرة بشكلها القديم السابق على الرأسمالية إنتقلت إلى
الرأسمالية دون أن يلحق بها أى تغير. وهكذا فان هذه المقولة تعد جزءا من مقولتها
الأآثر عمومية بشأن وجود شكلين للانتاج فى المجتمع الطبقى هما العمل والاسرة,
ويتضمن أحدهما نمطا للانتاج والآخر نمطا لإعادة انتاج النوع أو التناسل. وتقوم
هارتمان بتبرير هذا الزعم عبر نقل جزء من مقدمة أنجلز الاولى فى أصل العائلة
والملكية الخاصة والدولة( 16 ): "ان العنصر الحاسم فى التاريخ هو الانتاج وإعادة
إنتاج الحياة المباشرة من جانب، أي انتاج وسائل الوجود آالمأآل والملبس والمأوى
والأدوات الضرورية للقيام بهذا الإنتاج، ومن جانب آخر إنتاج البشر انفسهم, أي
إنتشار النوع. ويتحدد التنظيم الإجتماعى الذى يعيش فى ظله الناس خلال حقبة
تاريخية بعينها طبقا لهذين النوعين من الإنتاج."
ترى هارتمان أن النمطين المذآورين للانتاج متساويا في الأهمية، منتقد
بذلك المارآسيين الذين يشيرون إلى الانتاج الاقتصادى بإعتباره نمط الإنتاج الوحيد.
وتجادل بأنه :"يبدو أنه ليس هناك إرتباطا ضروريا بين التغيرات فى أحد جانبى
الإنتاج والتغيرات فى الجانب الاخر."( 17 ) بمعنى آخر "يمكن ان يتغير آل من
نمطى الإنتاج بشكل مستقل عن الآخر, فيمكن محو الرأسمالية مع بقاء السيطرة
الذآورية آما هى دون تغير.
إلا أن المارآسسبن دائما ما تبنوا مقولات مختلفة آثيرا عن ذلك. فقد أستطرد أنجلز
فى مقدمته ل "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" قائلا أنه مع تطور المجتمعات
الطبقية، لا تصبح القضية هى تعايش نمطى الانتاج، وإنما يظهر "مجتمع تكون فية
العلاقات العائلية خاضعة آلية لعلاقات الملكية".( 18 ) فمع تطور الراسمالية آنظام
عالمى, أي آكلية, فانها تغلف وتغير آافة الأبنية التي آانت موجودة في العصر
السابق على الرأسمالية، بما فيها العائلة.
إن طبيعة الأسرة تتغير,ولا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك. فلم يكن فى إستطاعة
الاسرة أن تحافظ على بقائها خلال الإنتقال من الاقطاع إلى الرأسمالية، دون أن تشهد
تغيرات جوهرية. ذلك أن هذا الانتقال لم يكن يعبر عن تغير سلمي, وإنما آان بمثابة
إضطراب ثورى فى حياة الناس، يتضمن تدميرا لطرق الحياة القديمة, ولكافة
الأشكال العتيقة للإنتاج المنزلى, وللوضع التى آانت المراة فى ظله تعتمد فى معاشها
على الرجل, وإستبدال هذه الأوضاع بالعمل الماجور المعمم (هامش: أى المفروض
على الرجال والنساء دون قصره على أيهما). وبالطبع فان الأسرة تدوم على مر
التاريخ وذلك بمعنى بقاء العمليات البيولوجية آما هى وإستمرار إعادة انتاج الحياة.
لكن علاقات الإنتاج الإجتماعية تتغير بشكل تام، حيث تخلق الطبقة الحاآمة نوعا
جديدا من الأسرة لخدمة مصالحها, ومن ثم فلا يمكن أن توجد الأسرة الجديدة التى
خلقتها الرأسمالية بشكل مستقل عن نمط الإنتاج الرأسمالى.
واذا إقترحنا شيئا مختلفا عن ذلك نكون قد أنكرنا أن الأوضاع المادية تستطيع
تغيير الأفكار والأبنية الإجتماعية. وترتكب شيلا روبوثام نفس الخطأ حينما تقول أن
الأسرة الرأسمالية تحوى عناصر من أشكال الإنتاج الإقطاعي, وبذلك فهى "نمط
داخل النمط" ( 19 ). غير أن بقايا المجتمعات ما قبل الرأسمالية التى تدوم خلال
الرأسمالية لا تظل على الإطلاق آما آانت فى السابق. فعلى سبيل المثال، تعد الملكية
أحدى بقايا المجتمع الإقطاعى ولكنها قد تغيرت آلية بواسطة الرأسمالية الى الحد
الذى لم يعد لوجودها علاقة بدورها السابق. ونفس الأمر بالنسبة للعائلة التى قد تبدو
آما هى –وإن ذلك مشكوآا فيه— ولكن دورها ووظائفها وأسسها قد شهدت تحولا
على يد رأس المال. إن إعادة انتاج النوع عن طريق الاسرة ليس نمطا منعزلا، ولكنه
جزءا من البناء الفوقى للرأسمالية. إن الغاء النظام الرأسمالى –أى الإطاحة الثورية
بالمجتمع – تعنى أن نظام إعادة انتاج النوع، والذى يعتمد على الأسرة, لا يمكن ان
يظل على حاله دون تغيير.
تزعم هارتمان أن "مجتمعا ما يمكن أن يشهد على سبيل المثال تحولا من
الرأسمالية إلى الإشتراآية بينما يظل مجتمعا أبويا." ( 20 ) لكن ذلك غير ممكن, لأنه
أن القهر الواضح للنساء والذي آان موجودا فى البلدان المسماة بالإشتراآية، لم
يكن دليلا على السيطرة الذآورية، وإنما آان دليلا على عدم وجود الإشتراآية. فليس
مستغربا أن مجتمعا مبنيا على التراآم، لا يسمح بالقيام بأى إنفاق لأجل إضطلاع
المجتمع بعملية رعاية الأطفال. فبدلا من ذلك, آان العبء الواقع على النساء ثقيلا
آمثيلة فى الغرب. آانت دور الحضانة متاحة بالفعل فى روسيا بدرجة واسعة, إلا أن
النموذج الأآثر إنتشارا للعناية بالأطفال آان الجدة أو بعض الأشخاص المناط بهم
القيام بهذا العمل. ولم يكن ذلك بالطبع يتطلب إستثمارا من جانب الطبقة الرأسمالية.
إن القبول نظريا بأن هذه البلدان هى بدرجة ما أفضل من الغرب الرأسمالي هو الذى
أدى إلى قبول النظريات البطريرآية: فاذا آان من الواضح أن المرأة غير مساوية
للرجل فى هذه البلدان المسماة بالاشتراآية، فلا بد أن يكون الخطأ خطأ الرجل لا
النظام الإقتصادى.
ولا تعد الأسرة، التى تتم خلالها إعادة أنتاج النوع، بمثابة مسلمة تاريخية, ولكنها
تتغير مع تطور قوى الانتاج. وليس الأمر آذلك فحسب, بل أنه حتى من فترة إلى
أخرى فى الرأسمالية لم تظل الأسرة ثابتة.
لقد تم تدمير أسرة ما قبل الرأسمالية مع صعود علاقات الإنتاج الرأسمالية التى
خلقت طبقة من العمال الأجراء الأحرار غير المالكين. إن هذا الوضع خلق على
الأقل إمكانية لتحقيق المساواة فى العلاقة بين المرأة والرجل. ولعل هذا هو ما أشار
إليه أنجلز فى آتاباته المثيره للجدل فى هذا الموضوع. ففى فترة الرأسمالية المبكرة,
وقبل سيادة نظام المصنع, آان نظام العمل يتضمن أن يعمل الجنسين آمنتجين
مشترآين. ولعله من الخطأ إعتبار هذه الفترة نموذجية، لأنه من الواضح أنها لم تكن
عصرا ذهبيا بأى معنى لكنها بالفعل منحت المرأة حرية نسبية مقارنة بالمستويات
السابقة من السيطرة الأقتصادية والجنسية للرجل. لكن ظهور نظام المصنع لم يكن
يعنى فقط أن العامل الأجير الفرد, رجلا آان أم أمراة, لم يعد مسيطرا على عمله,
ولكن ايضا أًصبح نظام إعادة أنتاج النوع بأآمله معرضا للخطر آما بين بوضوح
.( آل من مارآس وأنجلز( 22
ومن هنا آان تحسن مستويات المعيشة وظهور التشريعات الحمائية ونظام أجر
الاسرة, وهى آلها تطورات تلبى مصلحة الرأسمالية. ولكن من الحقيقى أيضا أن
الطبقة العاملة من الجنسين رحبت بابتعاد المراة عن العمل فى المصانع.
ومنذ الحرب العالمية الثانية, تغيرت الأسرة بقوة أيضا، حيث أدى تزايد مشارآة
المرأة فى قوة العمل، مع تصاعد قدرتهن على السيطرة على أجسادهن عبر وسائل
منع الحمل وإقرار الإجهاض قانونا، إلى نمو عدد من السلوآيات الجديدة. فلم
يضمحل الزواج، ولكن تزايدت عدد حالات الطلاق بشكل عنيف. ذلك أن الرجال
والنساء لم يرفضوا مؤسسة الزواج لكنهم لم يعدوا يشعرون بضرورة أن تكون هذه
المؤسة أبدية. آما أن سيطرة المرأة على الإنجاب, ودرجة الإستقلال الإقتصادى
التى أصبحت تتمتع بها يعنى أن أحد الخيارات المطروحة هو تغيير شريك الحياة، أو
إختيار عدم وجود شريك على الإطلاق – لاحظ تزايد حجم العائلات التى ترعاها
( الأم غير المتزوجة).( 23
ان معدل إنجاب الأطفال فى البلدان الرأسمالية المتقدمة –بما فيها أوروبا
الشرقية— قد هبط بالفعل بشكل حاد, مما يدل على أنه أينما يتاح للمراة الاختيار,
فأنها لا تنفق حياتها فى إنجاب الأطفال. وتمثل الهجرة أيضا ملمحا من ملامح
الرأسمالية. فمع إندثار الصناعات القديمة, يكون على العمال فى الرأسماليات
المتقدمة ترك أسرهم طلبا للعمل. ومع توسع صناعات بعينها, يؤتى بالعمال من
جنوب أوروبا وآسيا إلى معاقل الصناعة لتلبية الطلب على قوة العمل الرخيصة
والراضخة. ويكون لمثل هذه الحرآة آثارا ضخمة على الأفكار التقليدية بما فيها تلك
المتعلقة بالأسرة. إلا أن الأسرة تظل مكانا خانق وأحمق يتم فية تعلم وتدريس
السلوآيات والأدوار, ويجرى خلالها نقل القيم والتحيزات عبر الأجيال. وتتغير
الأسرة لتناسب حاجة الرأسمالية لكنها لا تختفى, حيث يتطلب الأمر إنقلابا خارج
الاسرة حتى يتم البدء فى تحقق ذلك.
ما الذى يحافظ على إستمرار الأسرة؟
إذن فما الذى يحافظ على بقاء الأسرة اليوم؟ إذا لم نوافق على أن المصلحة المادية
للرجال هي التى تقوم بذلك فماذا إذن؟
يعتمد وجود الأسرة على عاملين أساسيين, رغم مساهمة عديد من العوامل
المساعدة أيضا. فيجب النظر اولا الى المصالح الاقتصادية لرأس المال فى الحفاظ
على بقاء الأسرة. إن الدور الذى تلعبه الأسرة فى إعادة إنتاج القوى العاملة والأجيال
التالية من العمال قد تم توضيحه بإستفاضة ( 24 ). ويسمح آل من وجود أجر الأسرة
–حتى إذا آان هذا الأجر يكفي بالكاد عملية إعادة إنتاج الأسرة ويحتاج إلى الدعم عن
طريق المنافع التى تقدمها الدولة وعبر عمل الزوجة لبعض الوقت— ووجود العمل
المنزلى المجانى، بأن تكون تكلفة إعادة إنتاج النوع رخيصة للغاية.
وإذا آان النظام الراسمالي قادرا على تحقيق نموا متواصلا خلال عديد من العقود,
فأنه يفترض إمكانية إحلال آليات أخرى محل الوظيفة الاقتصادية للأسرة. وآما
أوضحت إيرين بروجيل بشكل قاطع فانه قد يكون ممكنا بالنسبة للنظام أن يرفع من
من فائض القيمة الكلى إذا آان القيام بمعظم أو آل العمل المنزلى والاعتناء بالاطفال
يجري بواسطةالعمل المأجور المنظم على أساس رأسمالى, على ان يتم تحرير جميع
.( النساء من هذه الأعمال، لأجل إنتاج القيمة وفائض القيمة لمصلحة رأس المال ( 25
ومن ثم فلازالت مسئولية إنجاب الأطفال ورعايتهم تترك للنساء، وهو ما يفسر
لماذا تستمر الأسرة ويدوم قهر النساء. إن دور النساء آأمهات وراعيات للاطفال
يتحكم فى آل حياتهن. وأن قيامهن بالعمل لبعض الوقت، بدلا من العمل المنتظم، هو
نتاج لدورهن آأمهات, آما أن الأجر غير المتساوى والمنخفض بشكل عام الذى
تتلقاه النساء هو بسبب عدم النظر إليهن آعوائل. فمنذ أن تولد المرإة فى المجتمع
الرأسمالي يكون من المفترض أنها ستصبح مختلفة عن الرجل, حيث أن قمة الإنجاز
بالنسبة لها هو الأمومة والزواج.
ومن الناحية النظرية, لا يوجد مبرر لوجوب إضطلاع المرأة برعاية الأطفال
والقيام بالجزء الاآبر من العمل المنزلى لمجرد أنها تقوم بالانجاب. ولكن فى عالم
يضطلع فيه الأفراد –وليس المجتمع — بتكاليف عملية إعادة إنتاج النوع, ويوجد به
تقسيم جامد على أساس الجنس, ولا يكون معدلات الأجر للوظائف التى تشغلها المراة
مساويا لمعدل أجر الرجل, لا يكون هناك بديل لهذا الوضع. حيث يصبح من المنطقى
بالنسبة للمرأة أن تكون هى الطرف الذى يبقى فى المنزل.
إن الحديث عن المشارآة فى العمل المنزلى, وقبول الرجال القيام بدور "ربة
المنزل" فى مثل هذا العالم يكون ممكنا فقط بالنسبة لأقلية ضئيلة من الناس، وذلك
حينما توجد لدى المراة مهنة أو حرفة تمكنها من تحقيق آسب يساوى أو يزيد عما
يحققه الرجل. وحتى آنذاك يكون من الصعب التغلب على الأفكار التى يتبناها
المجتمع والقائمة على عدم مساواة المرأة للرجل. وبالنسبة لجماهير العمال تكون مثل
هذه المشارآة فى الادوار بمثابة الأحلام التي لا اساس لها من الواقع.
وتستخدم الاعتبارات الأيديولوجية فى تعزيز الأهمية المادية التى تمثلها الأسرة
بالنسبة للرأسمالية. لا أقصد بذلك أن الراسماليين هم متعصبين ذآوريين يريدون
الإبقاء على النساء فى منزلة أدنى من الرجال –رغم انهم عادة ما يكونوا آذلك.
ولكننى أعنى أن الأسرة تقدم بعض الدعامات الأيديولوجية التى تحافظ على تماسك
النظام مع بعضه البعض.
ففى آل مرحلة من تطور النظام الرأسمالى آان على هذا النظام أن ينشئ أبنية
تربطه بأولئك الذين يقوم باستغلالهم. وتستمر هذه الأبنية فى الوجود فى المراحل
اللاحقة من تطور النظام حينما تتطلب حرآته الاقتصادية أبنية جديدة. وتندمج الأسرة
مع شبكة معقدة من هذه الأبنية التى تستفيد من اقتناع ربات البيوت –المعزولين فى
المنزل والمقطوعى الصلة عن التجمعات الأآبر التى تتشكل حول الإنتاج
الصناعي— بالأفكار الجامدة الخاصة بوضعيتهن فى المجتمع. فنتيجة لاعتماد
النساء على الأزواج فى المعيشة, يمكن إقناعهن بأن أى نوع من التغير الاجتماعى
هو بمثابة تهديد لأسرهن وأمنهن. ومرة أخرى, تعتمد هذه الأبنية التى يكون العامل
فى ظلها قلق على سلامة زوجته وأطفاله ونفسه أيضا, على تردد العامل قبل
وبفرض حدوث توسع إقتصادى غير محدود لفترة طويلة من الزمن, فإن النظام
يمكنه تطوير أبنية أيديولوجية جديدة لتحل محل تلك الخاصة بالحفاظ على بقاء
الأسرة بشكلها الحالى. غير أن تلك ليست هى حالة النظام الذى يتمسك اليوم بأية
وسائل للدعم يجدها فى متناوله –وذلك يفسر عدم قدرة جنوب ايطاليا وأيرلندا
الشمالية على الإستغناء عن أبنية عتيقة مثل نظام المافيا أو الأورنج. وبالتالى فالنظام
الرأسمالى يكون أقل إستعدادا لدراسة التخلى عن بناء آالأسرة التى لازالت تمده
بخدمات إقتصادية معينة.
وتحاول النظرية المارآسية للأسرة تفسير إستمرار قهر النساء فى سياق دورهن
فى إنجاب ورعاية الاطفال. وتزعم هارتمان أن المارآسية تغفل أهمية اختلاف
النوع، أو بمعنى آخر أن المارآسية يمكن أن تفسر لماذا يوجد الناس فى أوضاع
بعينها دون أن تستطيع تفسير لماذا هؤلاء الناس هن نساء. لكن الحقيقة هي أن
النظرية المارآسية تقوم بذلك بشكل دقيق، وتضع قهر النساء فى سياقه التاريخي،
وتفسر إستمرار وجود هذا القهر في ظل المسئولية الفردية للنساء عن إعادة أنتاج
النوع, والتى بدورها تحكم حياة النساء بأآملها. وآذلك تضع المارآسية الحل لهذه
المشكلة وهو الاشتراآية التى سوف تكون البداية لتحطيم الشروط المادية التى تسبب
إضطهاد النساء، والأفكار التى تظهر بناء على هذه الشروط –تلك الأفكار التى
نعرفها جيدا حول أن وجود الأسرة واضطلاعها برعاية الأطفال هى من المسائل
الطبيعية, وأن بقاء المرأة فى المنزل هو أمر طبيعى. ويمكن للنظرية المارآسية أن
تقوم بذلك عبر نقل مسئولية العناية بالأطفال من الفرد إلى الجتمع آكل. ويمكن لذلك
ان يفتح المجال أمام عالم جديد لملايين النساء والسماح لهن بالتصرف آأنداد فى
مجتمع جديد.
خاتمة
لا تعد النظريات البطريرآية فى الواقع نظريات لتحرير المرأة, حيث أنها تبدأ
بتفسير أوضاع الرجال والنساء بناء على إعتبارات بيولوجية فجة, بدلا من الإنطلاق
من تقدير الوضع المادي للمرأة في المجتمع الرأسمالي. آما لا تشير هذه النظريات
إلى طريق للامام لتحرير النساء.
فلماذا اذن أصبحت هذه النظريات تحظى بشعبية آبيرة؟
يجب البحث هنا بشكل شديد الإيجاز فى آيفية تطور حرآة المراة منذ أواخر
الستينيات.
نشأت الحرآة النسائية فى نهاية الستينيات آنتاج لتغير دور المرأة فى المجتمع. فقد
آان دخول النساء إلى قوة العمل وتزايد سيطرتهن على عملية الإنجاب يعنى أنه
أصبح لديهن أفكارا جديدة حول الدور المناط بهن ومستقبلهن المهنى وتطلعاتهن.
وأدى التوسع الكبير فى التعليم العالي إلى تغذية وتطوير مثل هذه الافكار. ورغم ان
التعليم العالي شهد تمييزا ضد النساء فى العديد من المجالات, إلا انه آان يعنى أن
النساء أصبحن للمرة الأولى قادرات على إحتراف مهن مرتفعة الأجر نسبيا, وذات
أجر متساوى مع الأجر الذي يحصل عليه الرجل، ولو من الناحية الرسمية . وبالنسبة
لغالبية النساء آان ذلك يمثل تطورا هائلا مقارنة بحياة أمهاتهن وجداتهن.
غير ان الافكار القديمة حول النساء ظلت متأخرة عن مجاراة الواقع. وفى الحقيقة
فإن الأفكار الخاصة بالجنس والسلوك الجنسى تغيرت, لكن النظرة القديمة للمرأة آأم
وزوجة ظلت ثابتة. إن آافة أنواع التشوهات القانونية السائدة، آانت تعنى أن النساء
آن يعاملن عادة بشكل أفضل قليلا من الاطفال حينما يتعلق الأمر ببيع أو تأجير أو
شراء السلع أو القيام بعمليات الرهن. وآذلك لازالت الإعلانات ترسم صورة
نموذجية للمرأة داخل المنزل –لا توجد صلة آبيرة بينها وبين الواقع.
وآان نتيجة للصراع بين الواقع الاقتصادي والاجتماعي الجديد للمرأة، وبين
الأنماط القديمة أن ظهرت أفكار تحرير المرأة. فبشكل ما شعرت النساء بأنهن جيدين
مثلهم مثل الرجال، لأنهم آن بالفعل يقمن بأعمال تفوق تلك التى يقوم بها معظم
الرجال، إضافة إلى الأعباء المنزلية.
وآان هناك شعور خلال السنوات الأولى من عمر حرآة المرأة بأنه يمكن تغيير
آل شئ, بل الأآثر من ذلك أن هذا التغيير آان يجري بالفعل. إن أحداث عام 1968
(هامش: هو عام تصاعد الحرآة العمالية واليسارية وما ارتبط بهما من أفكار
تحررية) أنتجت فئة واسعة مجذرة ومنفتحة تجاة أفكار الحرآة النسائية. إن العديد
من الأفكار التى طورتها نساء من داخل حرآة المرأة –وغالبيتهن الساحقة من
المهنيات المتعلمات— ضربت على بعض الأوتار لدى نساء الطبقة العاملة. ورغم
صعوبة قياس التغير فى الوعى, لكن نظرة سريعة على التوزيع الكبير لمجلات
المرأة خلال الخمسة عشر سنة الماضية سوف تبين الدرجة التى تم بها تناول شئون
الجنس والبطالة والعديد من القضايا الاجتماعية الأخرى جنبا إلى جنب مع التقارير
المعتادة حول نجوم السينما والعائلة المالكة. وآان هناك دوما هوة واسعة بين الحرآة
النسائية ونساء الطبقة العاملة, وآان الاتصال بينهما ضع
منتدى علم الاجتماع مكناس :: السنة الثالثة في علم الاجتماع :: السنة الثالثة في علم الاجتماع :: السداسي الخامس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين أغسطس 28, 2023 5:54 am من طرف sghiri
» نظرية النافذة المكسورة
الإثنين أغسطس 28, 2023 5:52 am من طرف sghiri
» تقرير عن ندوة المثقف و المجتمع بمكناس
الأربعاء نوفمبر 12, 2014 2:25 pm من طرف sumaya bakria
» الحكامة الأمنية
الثلاثاء أغسطس 12, 2014 5:02 pm من طرف sghiri
» ما السوسيولوجيا القروية؟
الإثنين فبراير 10, 2014 6:52 pm من طرف زائر
» أسئلة اختبارات علم الإجتماع .... من الفصل الأول إلى الرابع
الإثنين يناير 13, 2014 12:46 pm من طرف sghiri
» عرض في مادة انتروبولوجيا العالم الاسلامي 2009
الأربعاء ديسمبر 04, 2013 12:28 pm من طرف rachidov20
» موقع لتحميل الكتب في مجالات مختلفة
الثلاثاء ديسمبر 03, 2013 6:35 pm من طرف sghiri
» تحميل كتاب المراقبة والمعاقبة ميشيل فوكو
الجمعة نوفمبر 29, 2013 5:26 pm من طرف sghiri