بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
عرض حول: ***البوادر الاولى للدراسات التي تناولت مفهوم الجريمة من منطلق اجتماعي***
منتدى علم الاجتماع مكناس :: سلك الماجيستر و الاجازة المهنية :: سلك الماجيستر :: ماستر الجريمة و المجتمع
صفحة 1 من اصل 1
عرض حول: ***البوادر الاولى للدراسات التي تناولت مفهوم الجريمة من منطلق اجتماعي***
partagé la photo de سوسيولوجية الانحراف.
2 avril
2 avril
ماستر الجريمة و المجتمع السداسي الاول 2012/2013
عرض حول: ***البوادر الاولى للدراسات التي تناولت مفهوم الجريمة من منطلق اجتماعي***
اعداد الطلبة:
*عبدالعالي الصغيري
*سعيد أصفاح
*يوسف الخلطي
*عبدالرحمن السيد
*سعيد عقاوي
الفهــــــــــــــــــــــــــــــرس
مقدمة: 3
أولا : الإتجاه الجغرافي في تفسير الجريمة : 6
الانتقادات الموجهة للنظرية : 7
ثانيا : نظرية الصراع 8
تقييم النظرية: 11
ثالثا :نظرية الأنوميا و الفرص المتعددة: 13
أولا-نظريات الأنوميا : 13
1-نظرية " اللامعيارية" الانوميا عند دوركايم: 13
أ-الظاهرة المرضية،طبيعتها،خصائصها،مشروعيتها: 14
ب –الجريمة ، ظاهرة مرضية ؟ 14
2-كينغ ميرتون king merton ، البنية الاجتماعية و الانوميا : 15
ثالثا :المدرسة السلوكية الاجتماعية : 18
1-نظرية التقليد و المحاكاة عند كابرييل تارد: 18
ملاحظات على نظرية التقليد لتارد : 21
2-نظرية الاختلاط التفاضلي لأدوين سذرلاند : 22
• تقييم نظرية الاختلاط التفاضلي : 24
خاتمة : 25
مقدمة:
يجب أن نضع في اعتبارنا أن الجريمة أو بالأحرى الظاهرة الإجرامية هي ظاهرة معقدة وذلك بتعقد وتعدد الزوايا التي تعالجها وكذا التخصصات التي تشملها .ادن سنحاول من خلال هدا العرض تقديم بعض النظريات التي تفسر الظاهرة الإجرامية من الناحية الاجتماعية ،اذ بدلا من التأكيد على الفاعل أي الشخص المنحرف،ستقتصر على الفعل أي على الجريمة ،وبالتالي طرح سؤال ماهي المكانيزمات التي تجعل الشخص المنحرف منحرفا ودلك من خلال العوامل الخارجية الاجتماعية والبيئية،هاته الأخيرة التي ليست لها الأثر على الفاعل فقط بل على البيئة والتنظيم الاجتماعي كذلك أو اللاتنظيم وثقافة المجتمع من خلال عاداته وتقاليده وقيمه،اذن ماهي أهم المدارس التي تنصب في هذا المجال؟وقبل كيف نظر بعض علماء الاجتماع والابستمولوجيين إلى مسألة التسميات التي تعالج الظاهرة الإجرامية؟
ادن قبل الخوض في أهم النظريات حاولنا أن نقدم ورقة تفسر إشكالية التسمية "سوسيولوجية الانحراف"من خلال فصل من كتاب لجاك فاجي "سوسيولوجيا الجنوح والعدالة الجنائية"ودلك لمعرفة أهم الإشكالات على مستوى التسمية.
يرى جاك فاجي أن الأبحاث حول الجريمة في البداية ظلت والى نهاية القرن 19كانت حكرا على المجال الطبي ،لكن سرعان سرعان مابدأت هده الهيمنة تتراجع ،خاصة بعد التأكد بأن سلوك المنحرف ليس بالضرورة نتاج خلل عضوي.في هدا الإطار اقترح 1885garofaloالجمع بين عدد من المقاربات العلمية حول الجريمة في إطار علم جديد هو علم الإجرام.وبالتالي سيكتسي هدا العلم صفة مجال معرفي متعدد التخصصات (السوسيولوجيا ،علم النفس،الطب النفسي ،التاريخ والقانون...) حيث لم تكن السوسيولوجيا سوى عنصر من مجموعة من العناصر.
لقد تم تحديد السوسيولوجيا الانحراف والسوسيولوجيا الجنائية من قبل مجموعة من الباحثين القانونيين الايطاليين المحسوبين على الحركة الايطالية،ودلك للتميز عن النظريات البيولوجية والوراثية السائدة.
لقد تم استعمال هاته التسمية(سوسيولوجيا الانحراف) لأول مرة في فرنسا سنة 1886 في العدد الأول من مجلة le revue d’anthropologie criminelle.كما خصص لها دوركايم محاضرة خاصة سنة 1892 بجامعة بوردو.ثم خصص محور تحت عنوان"سوسيولوجيا الإجرام والإحصاء الأخلاقي.la sociologie criminelle et statistique morale من داخل مجلة العام السوسيولوجي من طرف كاستون ريتشارد سنة 1898.
في سنوات 1920 بالولايات المتحدة الأمريكية و1960 باروبا ستعرف الأبحاث حول الانحراف والجريمة تطورات هامة كما وكيفا .وهنا سيتحدث Philipe robert عن السوسيولوجيا الجنائية la sociologie pénale.
يرى جاك فاجي بأن هناك إشكالية على مستوى التسمية (سوسيولوجيا الجريمة،السوسيولوجية الجنائية) ويقترح تسمية أخرى معتبرا إياها أكثر ملائمة لتحديد وضبط وتاطير مجموعة من الظواهر الاجتماعية ،القانونية والسياسية وهي la sociologie de la dililinquance et la justice pénale.
الآن على مستوى السوسيولوجيا الجنائية .فهي تسمية لاشتمل جميع الزوايا المتعلقة بالسلوكيات المنحرفة .ادن مايبرر هدا هو كون القانون لايقدم أي تعريف للجريمة،فهده الأخيرة لايمكن قياسها،إلا بالنظر إلى الجزاء الذي يطبق على كل سلوك جانح حيث لاوجود لجريمة إلا بوجود نص قانوني يعتبرها كذلك.لكن السؤال المطروح هو أن الجريمة أو السلوك المنحرف هو شيء واقعي،حدوثه سابق على النص القانوني الذي يجرمه،وأيضا لايمكننا الاطمئنان لتسمية"سوسيولوجيا الإجرام"لان دلك يعني السعي نحو تعريف وتحديد كل الانحرافات ذات الخطورة وإغفال أخرى.وبالتالي يقترح جاك فاجي استبدال تسمية سوسيولوجيا الاجرام بتسمية السوسيولوجيا الانحراف والجنوح.وتسمية السوسيولوجيا الجنائية بسوسيولوجية العدالة الجنائية.لان السوسيولوجيا الجنائية تكمن محدوديتها في كونها تركز على المخارج القانونية .فالعدالة الجنائية يشاركون فيها (فاعلون،الشرطة الدرك القضاء..).
إن الجمع بين سوسيولوجيا الانحراف والعدالة الجنائية هو إعطاء حل توافقي لمساءلة القانون والسوسيولوجيا في احتواء وشمولية الظاهرة الإجرامية،وهدا ما جاءت به عدة أبحاث.أيضا نجد إشكالية تسمية"سوسيولوجيا الجنوح"في علاقتها مع"سوسيولوجيا الانحراف"هو ا نهاته الأخيرة (الانحراف) تبقى اشمل في موضعها وبالتالي فهي تحتوي الأولى.لان كلمة"انحراف"تعني في الواقع مجموع السلوكيات الاجتماعية التي تبتعد عن القاعدة ،أي تنحرف عن المعايير المتفق عليها والجنوح لاتعني سوى تلك الانحرافات التي اتفق اجتماعيا على كونها أفعالا يعاقب عليها القانون الجزائي.لكن في الواقع هناك تداخل كبير بين الاثنين.
ادن فالمدارس الاجتماعية تنطلق من الانتقادات التي قدمت للتعريف القانوني ،وكدا أسس ومرتكزات النظريات البيولوجية التي كانت سائدة في ايطاليا .فهم يعتبرون إن الجريمة ظاهرة اجتماعية ،وان التجريم ليس حكرا على المشرع (القانونيون) بقدر ماهو مستمد من الواقع الاجتماعي بما يحتويه من قيم ومعايير اجتماعية.بهدا المعنى تكون الجريمة عبارة عن خروج عن معايير المجتمع أو عن قواعد الإجماع،أي القواعد التي يحددها المجتمع وتحكم سلوك أفراده.أو هي تلك الأفعال التي تمثل خطرا خطرا عن المجتمع وتجعل من المستحيل تحقيق التعايش .والتعاون بين الأفراد الدين يؤلفون المجتمع ،أو هي كل مخالفة لمشاعر الولاء الاجتماعي .وهدا ما دهب إليه كل من دوركايم وبارسونز عندما اعتبر الجريمة سلوكا لامعياريا أي منحرفا عن المستوى المعياري في المجتمع.
ادن من خلال هدا المخاض الفكري وعلى أساسه سيتشكل الطرح السوسيولوجي الذي يراعي العوامل الاجتماعية الخارجية ودورها في إحداث الجريمة بواسطة فاعليها أو مرتكبيها .وهدا ما جاء مع تلميذ سيزار لومبروزو انريكو فيري ونظريته المتعددة العوامل ـحيث يعتبر التلميذ المنحرف لاستاده ودلك برد الاعتبارالى عوامل لم تراعيها نظرية استاده.حيث أكد وشدد على العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.فهو اقترح بان الجريمة والجنوح يعتبران حصيلة مقدرات تتعلق بعلم الإنسان وتطوره،علاوة على المعطيات التي تختلف باختلاف الأشخاص وظروفهم .والتي منها الطبيعة الاجتماعية .فهو يرى دلك من خلال عدة متغيرات كعمر الفرد،الجنس،الحرفة،الوضع العائلي،الاقتصادي ،السكن...الخ.هدا بالإضافة إلى العوامل الطبيعية والبيئة الاجتماعية مثل عدد السكان وديانتهم،ضروف الهجرة وأجناسهم وسلالاتهم وكدا المناخ.ادن وبذكر هدا الأخير كانت هناك مدرسة قبل انريكو فيري تتطرق إلى هدا الباب رغم أنها لم تندرج ضمن المدارس العلمية لعلم الاجرام،إلا أنها أرجعت الأسباب إلى عوامل خارجية بيئية ألا وهي المدرسة الجغرافية الخرائطية ودلك مع روادها جيري وكتليه.
أولا : الإتجاه الجغرافي في تفسير الجريمة :
لقد كانت بداية القرن التاسع عشر بمثابة بداية المرحلة العلمية في تفسير الظاهرة الإجرامية،حيث سيعتمد بعض الباحثين على إحصائيات بعض الجرائم فكانت هناك محاولات أولية لتفسير العوامل المؤدية إلى الجريمة، وفي هذا الصدد تم التركيز على العامل الجغرافي والبيئي في تفسير هذه الظاهرة ، وقد ازدهر هذا التيار في فرنسا وبلجيكا من طرف الباحثين جيري وكتلي .
ـ جيري : لقد مكنه موقعه كمدير للشؤون الجنائية بوزارة العدل الفرنسية من الإطلاع على الإحصاءات الجنائية التي نشرتها فرنسا عن الفترة الواقعة بين سنة 1826 ـ 1840 من القيام بتحليل لهذه الإحصاءات، حيث توصل من خلال هذه الدراسة الى أمرين كانا مثارا لدهشته، حيث تبين له أن جرائم الاعتداء على الأشخاص أكثر شيوعا في الأقاليم الجنوبية وأنها تزيد في فصل الصيف، في حين أن جرائم الاعتداء على الأموال تكثر في الأقاليم الشمالية ويزداد عددها في هذه الأقاليم في شهور الشتاء. وعلى هذه الملاحظتين الأساسيتين بنى أدولف كتليه قانونه المعروف بقانون الحرارة الإجرامي.
ـ كتليه : حاول هذا الباحث أن يعطي تفسيرا لما توصل اليه صديقه جيري فقد أضاف إلى العوامل الجغرافية عوامل اجتماعية تتمثل في نسبة التعلم لدى الفرد، السن، اللامساوات الاجتماعية أي اللامساوات بين الوسائل والحاجات والطموحات المبتغاة وبالتالي هنا نجد أيضا بأن المحيط الاجتماعي له تأثير على سلوكات المجرم.
من أجل فهم نظرية كتليه أكثر هناك بعض الخلاصات التي قدمها في هذا الصدد :
1 ـ يقدم كتلي الجريمة على أنها عمل فظ لكن الإجرام بصفة عامة هو ظاهرة يجب التعامل معها كباقي الظواهر ( الطلاق ، الرشوة... ).
2 ـ أنه يجب دراسة الجسم الاجتماعي وليس الخصائص التي تميز الأفراد واذا أردنا فهم الجسم الإجتماعي يجب دراسة الإنسان الوسطي والذي يعد النموذج الذي يتواجد فيه أغلب أفراد المجتمع أي الإنسان المتزن.
3 ـ إن الأفراد الذين يرتكبون الجرائم ليسوا في نظر كتلي غير طبيعيين أو مرضى بل هناك فهناك عناصر تؤثر على نواياهم في الاتجاه نحو الإجرام وارتكاب الجريمة لهذا يجب فهم هذه العناصر.
4 ـ أن ظاهرة الإجرام مرتبطة بسلوكات فئة قليلة مقابل فئة كبيرة تحترم القوانين المعيارية وتنصاع لها.
لقد درج هذان الباحثان إلى تفسير عوامل الإجرام بعوامل طبيعية كالوسط الجغرافي ، المناخ ودرجة الحرارة وكذلك عوامل اجتماعية كالتغيرات التي شهدها المجتمع آنذاك بظهور الصناعة والتغيرات في التنظيم الاجتماعي، حيث بدأت تظهر عوامل الرفاه الاجتماعي في وقت وجيز وبالتالي أصبح هناك تفاوت بين الإمكانيات المادية والحاجات المطلوبة لدى الأفراد .
الانتقادات الموجهة للنظرية :
إن القول بأن العوامل المناخية لها تأثير مباشر على نوع الجرائم وحجمها هو سبب غير كافي لتفسير ظاهرة الأجرام بأسرها، حيث يقتصر دور هذه العوامل على تفسير قسمين فحسب من أقسام الجرائم ، وهما جرائم المال وجرائم الاعتداء على الأشخاص وبالتالي هناك جرائم أخرى لا تخضع لهذه العوامل.
ثانيا : نظرية الصراع *
يرجع أصول هذه النظرية إلى التراث والفكر الاشتراكي الماركسي مع كل من" كارل ماركس " و " فردريك انجلز" أصحاب بيان الحزب الشيوعي خلال منتصف القرن 18 . ترتكز هذه النظرية في تفسيرها للجريمة على أن هذه الأخيرة ما هي إلا إفراز من إفرازات النظام الرأسمالي أو بتعبير أدق الجريمة هي رد فعل لعدم وجود توزيع عادل للثروة والقوة في المجتمع الرأسمالي 1، وفهم هذا القول ينبغي استحضار لمقولات ماركس المشهورة من قبيل النظام الرأسمالي وكذلك الصراع الطبقي الكائن بين الطبقة البرجوازية والطبقة البروليتارية 2 ، الأولى بما هي مالكة لوسائل الإنتاج متحكمة واضعة لبنية فوقية مبررة قهرها وتسلطها تعيش الغنى والرفاه وتمارس الاستغلال والعبودية في حق الطبقة الثانية طبقة العمال كطبقة ممثلة كقوى إنتاج مستغلة تعيش الفقر و الاستغلال و الحرمان والاغتراب ** المتجسد أساسا في طول ساعات العمل و ضآلة الأجر و عدم الإفادة من فائدة الإنتاج فضلا عن تشغيل النساء والأطفال و انخفاض مستوى التعليم ومستوى الرعاية الصحية.
إذن و أمام هذا الوضع تتولد الجريمة في صورتين اثنين : الأولى تتمثل في رغبة الرأسماليين في تحقيق أكبر نسبة ربح ، يدفعهم ويؤدي بهم لارتكاب جرائم الرشوة والتهرب الضريبي والجمركي والغش التجاري والمنافسة الغير الشريفة يعزز هذا الكل المشين بنية فوفية تصوغه وتبرره وتدافع عنه ومن ثم يصبح القانون عامة ، والقانون الجنائي خاصة والذي يحضر كوسيلة للطبقة البرجوازية في صراعها ضد أفعال وسلوك طبقة العمال .في ظل هذا النظام الرأسمالي هو عين الجريمة وخالقها . أما الصورة الثانية للجريمة في النظام الرأسمالي فتتمثل في إقدام الطبقات الكادحة في ردود أفعالهم اتجاه الوضع المزري الذي أوضعهم فيه هذا النظام المجتمعي وبمختلف ميكانزماته الاقتصادية أملاً منهم في الحصول على مال يستعينون به على قضاء الحوائج أو انتقاماً من المجتمع الرأسمالي الذي فسد نتاج سوء توزيع الثروة3.
تبعا لهذا فقد كانت أراء كل من ماركس وإنجلز بمثابة تلك اللبنات الأولى والأسس والأعمدة لتشكل ما يعرف في وسط علم الإجرام بالمدرسة الاشتراكية L’école socialist . والتي رأت وربطت بين ا بين السلوك الإجرامي وبين ميكانيزم النظام الرأسمالي القائم على الملكية الخاصة والمنافسة الحرة ومرونة العرض والطلب. هذه الرابطة التي تقوم لديهم على مبدأ الحتمية الاقتصاديةLa déterminisme économique ، أي النظر للعامل الاقتصادي كوجه للنظام الرأسمالي بكونه العامل الوحيد في الدفع نحو الجريمة.
شاع منطق المدرسة الاشتراكية هذه بين علماء كثيرين في مجموعة من أقطار أوربا كألمانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا ومثال ذلك وليس على سبيل الحصر الدراسات التي قام بها كل من " فون كان Van Kan" ، "روزنج Rozeng " و " بونجر Bonger " . الأول التي صدرها في مؤلفه المنشور عام 1903 تحت عنوان الأسباب الاقتصادية للإجرام Les causes économiques de la criminalité والثاني في رسالة دكتورته التي قدمها في سنة 1929 حول "الجريمة كنتاج اجتماعي واقتصادي" Le crime comme produit social et économique .أما الثالث "وليام أدريان بونجر William Adrian Bonger" العالم الهولاندي والذي وبحق حضر فيه و معه في تفسيره للظاهرة الاجرامية منطق المدرسة الاشتراكية من خلال كتابه الذي نشره في أمستردام عام 1905 أسماه "الإجرام والظروف الاقتصادية" Criminality and Economic Conditions ، تناول فيه مساوئ النظام الرأسمالي وأثر المنافسة الحرة ونظم الأجور والأسعار على حركة الإجرام 4 توصل إلى هذا في قوله وكمسلمة أولية لديه بأن الإنسان يتميز بنزعات أنانية لا تؤدي بذاتها إلى جعل الإنسان مجرما إلا أن الظروف المحيطة به والذي يعيش من داخلها قد تكبر وتنمي فيه تلك النزعات الأنانية بشكل كبير ومتوحش يصبح معها هذا الإنسان أناني جدا ينتصر لمصلحته وفقط ، يصبح معها أكثر عرضة لارتكابه السلوك الإجرامي لأن النظام الرأسمالي بنظامه الاقتصادي ألفرزي والمتحيز القائم على أساس القيمة التبادلية وحرية السوق وكذا منطق ثنائية الربح والخسارة ، السعر والفائدة ، المنتج والمستهلك ، العامل ورب المعمل ، الأجرة والسلعة ... الخ لهو نظام يوفر ويخلق حياة ينعدم فيها الإيمان بالمصلحة العامة والإحساس بالمسؤولية الجماعية والاجتماعية فالتاجر والسارق حسب "بونجر" يشبهان بعضهما البعض من حيث أن كلا منهما يهتم بمصالحه الخاصة5
وعكس الوضع هذا ما تعيشه الشعوب البدائية حيث هناك حضور لمشاعر حب الغير وغلبة روح التضامن الاجتماعي بين مختلف أفرادها والسبب في هذا حسب " بونغر " يرجع إلى نظامها الاقتصادي ونمط إنتاجها القائم على إشباع الاستهلاك الشخصي وليس التبادل ، الغياب التام لمفهوم الملكية الفردية ، المصلحة الخاصة ، الربح والفائدة بل مع هذه الشعوب و المجتمعات هناك حضور لمفهوم المشاعية والملكية المطلقة والرخاء العام والغياب التام لفكرة تكديس الثروات 6.
إذن ومن كل ما قيل فإن "وليام أدريان بونجر William Adrian Bonger" بمقارنته هذه وقوله بأن الظروف التي يعيش فيها الفرد وتخصيصه للعامل الاقتصادي في شكله ونوعه الرأسمالي بكونه الخالق للفعل الإجرامي ، لهو ضرب ودحض ورفض وتفنيد للقول بأن أسباب الجريمة ترجع إلى عوامل عضوية ونفسية.
تعززت نظرة " بونغر " هاته وتطورت في سبعينيات القرن 20 مع ما عرف ويعرف في وسط علم الإجرام ب علم الإجرام الجديد 7 مع كل من " تايلور " و " يابتون" و "يونغ " حيث شنوا هجوما على جل النظريات التي تربط الجريمة بما هو عضوي و نفسي في ذاتية الشخص المقدم على الجريمة في تفسيرها للجريمة والاشارة هنا الى نظرية لمبروزو وفرويد.
هذا فضلا عن ذهابهم في تفسيرهم للسلوك الإجرامي - بأبعد ما قال به "بونغر" في تفسيره للظاهرة الإجرامية - وبشكل راديكالي بقولهم بأن أسباب الجريمة ترجع إلى تلك الفوضى الاجتماعية التي يخلقها النظام الاجتماعي الرأسمالي ولتجاوز هذا ينبغي تغيير وبدافع راديكالي المجتمع الرأسمالي إلى مجتمع جديد تنعدم فيه الطبقات يعيش ويحي فيه كل فرد مفعما بالحياة ويسود الخير الجماعي والمشترك 8 ومن ثم تصبح العدالة الاجتماعية أساسا لتوزيع الثروة والربح .
تقييم النظرية:
ختاما وكخلاصة لما قيل عن نظرية الصراع في تفسيرها للظاهرة الإجرامية بدأ من ماركس وإنجلز ومرورا بيونغر و وصولا إلى ممثلي علم الإجرام الجديد فإن هذه النظرية وبحق قد قاربت الصواب والعلمية في مقاربتها للظاهرة الاجرامية فقولها بارتباط الجريمة كما ونوعا بالظروف الاقتصادية. مقارنة " بونغر" لجضور الجريمة في كل من المجتمعات البدائية والمجتمعات الرأسمالية ناهيك على أن التحول من نمط اقتصاد قائم على الزراعة إلى نمط اقتصادي جديد ناهض على الصناعة خلال القرن التاسع عشر صاحب معه ظهور إجرام جديد خفي وذهني قائم على الذكاء في جنب الإجرام التقليدي ذو الوجه العضلي التعنيفي. هذا فضلا عن تقلبات السوق و الأسعار والأجور. باختصار فمقاربة نظرية الصراع / النظرية الاقتصادية / النظرية الاشتراكية للجريمة فهي جاءت كنقيض لتلك التفسيرات الفردية التي ترجع أسباب الجريمة إلى عوامل بيولوجية -المدرسة البيولوجية للجريمة بزعامة لومبروزو-
نفسية – مدرسة التحليل النفسي بزعامة سيغموند فرويد – وكذا كرد على المدرسة الاخلاقية التي تربط الجريمة بالأخلاق والقواعد المعيارية. والقول بان مكمن الجريمة وباعثها هو النظام الرأسمالي بمختلف أنساقه التنظيمية التنشيئية والقانونية والإنتاجية. التي تكرس في وظيفتها للتوزيع الغير العادل للثروة والسلطة والذي يخلق لا محالة للصراع بين من يملكون القوة والثروة والذين لا يملكون ذلك . غير أن هناك بعض المآخذ والانتقادات التي وجهت لهذه النظرية في مقاربتها وتفسيرها للجريمة يمكن إجمالها في النقط التالية :
- قولها بالعامل الواحد في تفسير الظاهرة الإجرامية الذي هو العامل الاقتصادي أي الحتمية الاقتصادية وإهمالها لبقية العوامل الأخرى التي هي بدورها أسباب في تفسير هذه الظاهرة التي هي وبحق تبقى ظاهرة
ثالثا :نظرية الأنوميا و الفرص المتعددة:
أولا-نظريات الأنوميا :
لقد نبعت هاته النظريات من الاتجاه الوظيفي و الذي كان بمثابة الرافد الاساسي لهاته النظريات كلها ، هذا الاتجاه الذي يرى أن المجتمع هو وحدة في كليته متكاملة كتكامل أعضاء الجسد، من هنا كان من الضروري بالنسبة لرواد هذا الاتجاه ربط كل ظاهرة بالمجتمع الذي أفرزها ، وبصيغة عامة ان الاتجاه الوظيفي لا يعتبر الافراد فاعلين داخل المجتمع و انما هم مجرد عملاء تحددهم بنية المجتمع1السؤال اذن هو كيف ذلك؟
1-نظرية " اللامعيارية" الانوميا عند دوركايم:
نشر دور كايم كتابه قواعد المنهج في علم الاجتماع" سنة 1894 ناعتبر فيه أن الظاهرة الاجتماعية يمكنها هي الاخرى أن توصف بالمرضية او السليمة ، وذلك انطلاقا من حالة قد يتعرض لها النظام الاجتماعي وتجعله غير منظم ، بمعنى انه أصيب بالاختلال واللاتوازن ومن ثم باللاقاعدية و اللاقانون ،فهذه هي حالة الانوميا anomie .
هذا يحيل الى ان المجتمع اذا غابت منه القاعدة المنظمة لسلوك افراده دخل في حالة من الانوميا ،بمعنى حين يحصل تناقضا بين متطلبات الفرد وواجباته مما يجعله متوترا و مضطربا ما يدفعه الى الانزواء ومن ثم العزلة في الظل، الا ان السوؤال الحاسم هو ما علاقة هذا بظاهرة الانحراف او بالاحرى الاجرام؟ .
ان انزواء الفرد يؤدي به حسب دوركايم الى اظهار سلوكات الرفض والاعتراض ومن ثم ظهور مجموعة من الظواهر المنحرفة و المرضية و التي تزعزع بنيةالمجتمع.
أ-الظاهرة المرضية،طبيعتها،خصائصها،مشروعيتها:
يرى دور كايم ان الظاهرة المرضية لا تختلف في طبيعتها عن الظاهرة السوية،بل أكثر من ذلك فان الشروط التي خصصها للظاهرة العادية تليق وتنطبق على الظاهرة المرضية نفسها ، فهي في اعتقاده ضرورية للاسباب التالية :
1-هي عادية بمعنى 2normal ذلك انها موجودة في جميع المجتمعات في كل زمان و مكان ، انها ملازمة لوجود الانسان.
2-هي وظيفية أي انها مهمة بالنسبة للمجتمع و لتطوره ولاكتساب الصلابة و المتانة بمعنى المناعة.
3-هي ليست حتمية، يقول دوركايم3: « ce n’est pas seulement dire qu’il est un phénomène inévitable… » ،بمعنى أنها نسبية ،ذلك ان ارتفاع نسبة الظاهرة المرضية يحيل الى وجود حالة من الانوميا ،كذلك هو الشان بالنسبة لانخفاضها بشكل كبير،(هناك عتبة و درجة معينة لا ينبغي للجريمة أن تتجاوزها) ،هذا يظهر جليا ان دور كايم يضفي نوعا من المشروعية على الظاهرة المرضية ،طبعا-غير أن هذا لا يعني أنه يشجعها و يدعو إليها.
ب –الجريمة ، ظاهرة مرضية ؟
ان السوؤال الذي نروم معالجته هنا هو هل يمكننا اعتبار الجريمة ظاهرة مرضية،طبعا، ان الجواب سيأتي على صيغة النفي استنادا الى دور كايم نظرا لخصائصها و طبيعتها العادية-كما أسلفنا-وهي أيضا لا تؤثر في الوظائف الاساسية للمجمتع و نظامه و ثقافته ، بل يرى دوركايم أن غيابها بالعكس من ذلك قد يسبب حالة من اللاستقرار و اللاطمانينة داخل المجتمع و بالتالي بروز مشكلات اجتماعية عويصة.ماذا يعني هذا؟
ان هذا الطرح يفضي بنا مباشرة الى كون المجتمع مستحيل وجوده بدون جريمة و العكس بالعكس ، ان هناك علاقات وطيدة بين المجتمع و الجريمة ، بمعنى أن الجريمة عند دوركايم هي تنبثق من ما هو اجتماعي و هو كسوسيولوجي ارجع أسبابها الى البيئة الاجتماعية ،فالظروف الاجتماعية4 هي التي تؤدي الى ارتكاب الجرائم.
2-كينغ ميرتون king merton ، البنية الاجتماعية و الانوميا :
ان ما يميز نظرية كينغ ميرتون هي اعتبارها ان الافراد يتموقعون في وضعية حيث يواجهون الضغوط التي تفرضها عليهم القوى المتناقضة للمجتمع ، هذا ما يجعلهم يعانون من التوتر tension، هذا التوتر ناتج عن صعوبة بالغة في النجاح في تحقيق الرغبات واشباع الغرائز الطبيعية ، او بالاحرى الضرورية لان عدم تحقيقها يؤدي بالفرد الى الخروج عن ثقافة مجتمعه ، حيث ان هاته الثقافة تستلزم عليه تحقيقها ، الا ان الاشكال الدي يواجهه كينغ ميرتون و الذي انطلق منه في مقاله المعنون ب5 « social structure and anomie » بمعنى البنية الاجتماعية و الانوميا"6 وتسليما بان الفرد الذي لا يقدر على تلبية الرغبات الاجتماعية قد يلجأ الى شكل من أشكال الانحراف لتحقيقها ، هو ما طبيعة هذا التوتر الذي يعانيه الافراد ؟ وما هو منبعه؟
هذا ربما هو الانطلاقة التي يبدأ منها كل الباحثين في نظريات الانوميا و التوتر ، الا أن الاختلاف بينهم يكمن في طريقة معالجة هذا الاشكال 7،وبالنسبة لميرتون فانه يرجع هذا التوتر و الاضطراب الى عدم التكافؤ بين البنية الاجتماعية و القيم الثقافبة valeurs culturelles ، والتي تكون سائر الاهداف المشتركة بين كافة الافراد و كذا الوسائل المشروعة والمباحة في تحقيق هاته الاهداف8.
من هذا المنطلق يجوز لنا تعريف الفعل الجانح باعتباره عدم التناسق بين القيم الثقافية المحددة سلفا و الطرق المبنية اجتماعيا لاجل تحقيق تطلعات aspination
ومقاصد هاته القيم ، ان هاته النظرية حسب مبدعها ميرتون ذات أهمية من حيث انها تسمح لنا بالاخد بعين الاعتبار ظواهر الانحراف الصغيرة او الثانوية وبشكل أكثر عمومية أشكال الجنوح التي تطبع المجتمع الامريكي انذاك خاصة.
بيد أنه لا يكتفي بهذا بل انه يطرح سوؤالا ذو أهمية جد بالغة ألا وهو :كيف استطاع الافراد في الولايات المتحدة الامريكية أن يشغلوا مواقع متباينة داخل البنية الاجتماعية الامريكية وكذا ان يتكيفوا مع هدف الاغتناء و النجاح المهني؟ ! .
يجيب كينغ ميرتون انطلاقا من نظرية أسماها بنظرية المضاهاة la conformité والجنوح la déviance 9 ، والتي تتلخص في خمسة أنواع من التكيف ، طبعا تكيف الاهداف مع الوسائل ،بشكل اكثر دقة تكييف الوسائل مع الاهداف .
أولا : الممتثلون أو المضاهاةla conformité :بمعنى ان الافراد يقبلون الاهداف الثقافية التي تكتسي اهمية بالغة داخل مجتمعهم او جماعاتهم وكذا حتى الوسائل المشروعة و المتواطأ حولها .
ثانيا :الابداع l’innovation : حيث يقوم الفرد باستيعاب الهدف الثقافي لمجموعته فانه يلجا الى تحقيقه باستخدام الوسائل المحظورة وليس الوسائل المتفق عليها و المحددة سلفا.
ثالثا : الطقوسية la ritrolisme :في هاته المرحلة يتم التخلي عن الهدف الثقاتفي للاغتناء مثلا ، والتركيز اكثر عن المعايير المؤسساتية،(مثال: تكيف الطبقة الوسطى الفقيرة) .
رابعا :الانعزاليون (المغتربون) la retraitisme : خلال هذه المرحلة يرفض الفرد بالمرة المعايير أو الاهداف الثقافية و الوسائل المؤسساتية (مثال :les texicomanes)10.
خامسا :التمرد و العصيان La rébellion : يسعى الفرد خلال هاته المرحلى الى تغيير الاهداف الثقافية و كذا البنية الاجتماعية ، ويستشهد ميرتون على هذه المرحلة بمثال الجمعيات التي تناضل ضد الاغتناء كهدف ثقافي.
اذن و بشكل عام فقد تلخصت نظرية ميرتون في تسطيرها لوجود عدم التكافؤ بين الاهداف والوسائل خاصة في الطبقات الفقيرة التي تعاني من تنافر بين الاهداف المحددة سلفا و بين الفرص المتاحة لبلوغها ، هكذا فان المراهق الذي ينشأ في وسط فقير و الذي يعلم جيدا أن بلوغ النجاح امر مستحيل أو على الاقل صعب في مثل هاته الظروف و خاصة بواسطة طرق مشروعة فانه يلجا الى الوسائل غير المشروعة لتحقيق هدفه .
ثالثا :المدرسة السلوكية الاجتماعية :
يركز المنتمون لهذه المدرسة على بعض أنواع السلوك المتأثرة بمكونات الواقع الاجتماعية في تشكلها و استمرارها في تفسير الظاهرة الاجرامية.
من أنصار هذه المدرسة جبرييل تارد الذي ركز على متغير المحاكات و التقليد وأدوين سترلاند الذي أكد على دور الانخراط في الجماعات المنحرفة أو ما أسماه " الاختلاط التفاضلي" Association differtially.
1-نظرية التقليد و المحاكاة عند كابرييل تارد:
ظهرت هذه النظرية في نهاية القرن 19م وضعها كابرييل تارد سنة 1989 ، ويرى أن التقليد هو العنصر النمطي المميز للحياة الاجتماعية لانه يمثل الومضة الاولى للشعور و هو رمز الاندفاع البيو عقلي الأولي .تارد يؤكد ان الانسان لا يولد مجرما ، وانه لا يعتبر مجرما بالفطرة ، وانه يصبح كذلك فقط من خلال البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها ، من خلال تنشئته الاجتماعية ومعتقداته الثقافية ،وبمحاكاته للاخرين .11
القوانين الاساسية للتقليد حسب تارد12 :
- يقلد الناس بعضهم البعض و يكون التقليد أكبر كلما كانت الروابط أقرب و أوثق.
- في مجتمع معين يقلد الادنى الاعلى ،الفقير يقلد الغني ، الصغير يقلد الكبير ، و المحكوم يقلد الحاكم...
- اذا التقى نموذجان متعارضان و متنابذان فأحدهما يستبدل الاخر.
ترى نظرية التقليد او المحاكاة أن الانسان حينما يسلك أي سلوك ، انما هو مقلد لمثل يحتدى به في سلوكه هذا ، أي يسعى الفرد لتقليد غيره ممن يتفاعل معهم ، والجريمة هي بدورها سلوك اجتماعي ، و الفرق الكامن هنا هو درجة القبول الاجتماعي لها الذي يتحدد بمقدار الضرر الاجتماعي اللاحق بالجماعة اثر هذا السلوك أو ذاك ، فكلما انخفض الاثر السالب زاد قبول السلوك حتى اذا ارتفعت ايجابيته صارت الجماعة تحث عليه.
المجرم في هذه النظرية مثله مثل غيره من الافراد في عامة الخصائص العامة كسمات أبناء جنسه او عرقه أو ما في حكمه ، كذلك هذه النظرية ترى ان الانسان لا يسلك أي مسلكا اعتباطا ، وانما بموجبات عدة من أهمها اتخاد مثل يحتدى به ، أي أن الفرد يسعى الى تقليد المثل في تفاعله الاجتماعي مع الاخرين.
يرى تارد ان الجريمة ظاهرة لا اجتماعية (مرضية) ضارة المجتمع و تضر بمصالحه و مصالح الافراد ، فهي في نظره كمرض السرطان الذي يتدخل في حياة الكائن الحي ولكنه تدخل مؤذ ضار يؤدي الى موته أو فنائه ، ومن هنا يرى أن الجريمة ظاهرة مثلها مثل الصناعة و الفرق بينهما كامن في أن الاولى ضارة او سلبية أما الثانية فيغلب أثرها الايجابي على اثارها السلبية ، فالجريمة كأي انتاج صناعي جديد يخلق على أيدي فئة قليلة جدا من الافراد ثم سرعان ما يتهافت الاخرون على تداوله و العمل به حتى يشيع استعماله بين أغلبية المجتمع.
التقليد في نظر تارد لا يكون الا في جماعة ، ويرى امكانية انتقال السلوك الاجرامي بين أفراد المجتمع عن طريق الاختلاط و الاتصال الاجتماعي ، و عملية الانتقال يمكن ان ترى في التنظيم الاجرامي ،وفيما يخص لماذا يصبح بعض أفراد المجتمع دون اخرين في نفس المجتمع الواحد ، فانهم حسب تارد يختلفون في استجاباتهم و تاثرهم بالعوامل المحيطة بهم من وقت لاخر ،وهم يختلفون في المواقف و في قوة التحمل و قوة الشخصية و درجة التاثر بالعوامل المحيطة و مدى الالتزام بالقيم و العادات.
تجدر الاشارة الى ان تارد استخدم نظرية التقليد الى جانب تفسير السلوك الاجرامي في بناء نظريته انطلاقا مما يلي :
- أ-النموذج المحترف .
- ب- تصنيف المجرمين.
- ج-المسؤولية الاخلاقية .
- د-النظام العقابي .
أ – النموذج المحترف : يرى تارد ان المجرمين عموما نماذج محترفة ، ومرتكبوا البغاء و القتلة و اللصوص ، أصبحوا محترفين نتيجة تمرسهم في هذه الاعمال خلال فترة طويلة ، ان مثل هؤولاء المجرمين لم يولدوا مجرمين ، ولكن ظروفهم الاجتماعية هي التي دفعتهم لذلك نظرا لانهم يعيشون في بيئة مليئة بالفساد و الانحراف السلوكي ، ومن هنا اضطرتهم الظروف ليعيشوا مع رفقاء السوء ، ويلاحظ ان مثل هؤولاء المجرمين يعيشون حياة خاصة بهم فهم يستعملون لغة خاصة بهم ، وتصرفاتهم و علاقاتهم تحكم عن طريق انظمة داخلية خاصة بهم ، كما انهم يتخدون أسلوبا خاصا في ارتكاب جرائمهم.
ب .تصنيف المجرمين :يصنف تارد المجرمين الى صنفين : مجرمين حضريين ، ومجرمين ريفيين ، والمجرمون الحضريون هم سكان المدن و تتميز جرائمهم بانها مشبعة بما يجري في المدن كحب المادة و الاعمال ذات الطابع التقليدي ،مثل جرائم السرقة و الاحتيال و الغش ، أما المجرمون الريفيون فهم سكان القرى الذين يمارسون الزراعة ، وتتميز جرائمهم بطابع العنف ، كالقتل و الاعمال الانتقامية.
ج –المسؤولية الاخلاقية :يرى تارد انه لكي يكون الإنسان مسؤولا عن فعله لابد أن يكون سليم العقل ، وفي عمر يسمح له بالإدراك و ليس سكران و لا منوما تنويما مغناطيسيا عند ارتكابه للجريمة ، و هذا ما يسميه "الهوية الفردية" كما ان المجرم و ضحيته لا بد ان يكونا من مجتمع واحد ، ليكون الاتصال الاجتماعي بينهما كافيا ليمكنهم من التقليد و هذا ما يسميه "بالتماثل الاجتماعي " اي الاتصال بين أفراد المجتمع.
د – النظام العقابي :يرى تارد انه لا بد من وضع أطباء و علماء نفس في المحكمة للعمل الى جانب المحلفين ، و ذلك لتحديد مسؤولية المتهم كما يرى انه لا يصح تحديد عقوبة لكل جريمة ، ولكن تحدد عقوبة لكل مجرم ، لان المسؤولية تختلف من شخص لآخر ، كما يختلف المجرم من الحضر عن المجرم من الريف ، ويجب ألا تكون العقوبة واحدة حتى لو كانت الجريمة في كلا الحالتين واحدة .
كما نادى تارد بتصنيف السجناء حسب المستوى الاجتماعي و التفريق بين سجناء المدن و سجناء الريف ، كما نادى بالسجن الانفرادي لكي لا يتاح للمجرم المبتدئ الاختلاط بالمجرم القديم ، وكذلك نادى بالابقاء على عقوبة الاعدام ولكن بطرق مريحة و بدون ألم ، واذا لم تثبت جدواها يمكن ان تلغى و تستبدل بها العقوبة الجسمية .
ملاحظات على نظرية التقليد لتارد :
- اذا كان الاجرام حسب تارد رهين بدرجة تقليد الافراد بعضهم لبعض فكيف يزيد الاجرام و يتغير في طرق ابدائه في المجتمعات الحضرية ذات الدرجة الاقل من التقليد نظرا لزيادة التباين بين الوحدات الاجتماعية للافراد.
- اذا كان التقليد ييسر لنا تفسير انتشار الاجرام فكيف نفسر منشأه الاول ؟ اي لماذا ارتكبه أول المرتكبين و الذي قلده من اتو بعده.
- النظرية (التقليدأو المحاكاة) تهمل بشكل واضح الاجرام بالخطأ و كأنها لا تراه ضربا من الاجرام الذي يحتاج هو الاخر الى معالجة قائمة على اساس الفهم العلمي.
- ربط عملية السلوك الاجرامي تتم من خلال عملية التقليد و هذا من شأنه اغفال و اهمال العوامل الاخرى مثل العوامل الاجتماعية و الاقتصادية.13
- يجب الاشارة كذلك الى ان استجابة الاشخاص للعوامل المحيطة بهم تختلف من شخص لاخر ، فنجد ان البعض منهم يتأثر بدرجة سريعة و البعض الاخر يكون تاثره بسيطا ، بينما البعض الثالث لا يتأثر على الاطلاق ،و السبب يكمن في اختلاف درجة الاستجابة المرتبطة بطبيعة الثقافة و تكوين الشخصية .كما ان الاستجابة تختلف باختلاف السلوك ان كان ايجابيا او سلبيا.
- اذا كان السلوك الاجرامي يتم من خلال عملية التقليد وحده فلما لم تصبح معظم المجتمعات مجرمة ؟
- هذه النظرية أغفلت تماما دور العوامل العضوية و النفسية في الدفع نحو السلوك الاجرامي .14
بوجه عام فهذه النظرية لا تفسر الظاهرة الاجرامية بقدر ما تقدم شروح لعمليات انتشار السلوك الاجرامي فقط و ذلك بالاعتماد على ظاهرة نفسية هي التقليد IMITATION ?.
2-نظرية الاختلاط التفاضلي لأدوين سذرلاند :
نظرية الاختلاط التفاضلي (الارتباط الفارقي) ، هي نظرية تعلم إجتماعي social learning theory ، وقد تمت صياغتها عام 193915 على يد أدوين سذرلاند (Sutherland.A) ، ومفادها ان السلوك الاجرامي سلوك مكتسب غر موروث ، يتعلمه الفرد من خلال اختلاطه بافراد آخرين ، وذلك بعملية تواصل او عملية تفاعل اجتماعي بين الافراد الذين ينتمون الى الجماعة الواحدةى أو المجتمع الواحد ، ويتم هذا التواصل الاجتماعي بالاتصال اللفظي ،أي باللغة الكلامية الشائعة أو بلغة الاشارة أحيانا .
ويرى سذرلاند أن عملية التعلم هذه لا تجري بين أطراف متباينين و بصورة عشوائية ، بل ان مثل هذا الاتصال لا يتم الا بين أشخاص على درجة متينة من الصلة الشخصية أو على درجة واضحة من الصداقة و الزمالة ، وهذا يعني أن يكون من بين هؤلاء الافراد علاقات أولية مباشرة ، ويضيف سذرلاند أن المخالطة التي يقصدها في نظريته تتراوح درجتها وفقا لاربعة أسس و هي : 1-مدى تكرارها و دوامها و أفضليتها و عمقها 16. وقد طور هذه النظرية فيما بعد تلميذه "دونالد كريسي Donald Cressey" حين أشرف على إعادة طبع مؤلفه حول "مبادئ علم الاجرام عام 1950 ، و يمكن إيجاز فحوى هذه النظرية في شكلها النهائي وفق ما يلي :17
- يتم اقتباس السلوك الاجرامي عن طريق التعلم ،ويتم تعلم هذا السلوك بالاختلاط و التفاعل و التأثير المتبادل مع أشخاص آخرين خلال عمليات التواصل و الاتصال ،وذلك داخل جماعة صغرى ضيقة من العلاقات الشخصية ، اذن فالسلوك الاجرامي هنا سلوك مكتسب وليس وراثي والذي لم يتلقى تكوينا إجراميا لا يولد مجرما .
- تشتمل عملية تعلم الفرد لمختلف أنماط السلوك الاجرامي على اولا تعلمه لوسائل ارتكاب الجريمة ،و التي تكون غاية في التعقيد احيانا ،و احيانا اخرى في منتهى البساطة وثانيا تعلمه للكيفية التي يتم بها تكوين نوع خاص من التوجيه لما يحمله من بواعث او دوافع و تبريرات و مواقف ، وذلك من خلال التفسيرات و التعريفات المتعلقة بالنصوص القانونية ، وقد تؤيد هذه التفسيرات نصوص القانون التي تتفق معها و تلتزم بها او انها تخالفها و ترفضها بناء على ذلك .
- يصبح الفرد مجرما عندما تتغلب التفسيرات غير الملائمة لاحترام القانون على التفسيرات الملائمة له و هذا ما شكل مبدأ الارتباط الفارقي . كما ان كل فرد يستوعب ثقافة الوسط الذي يعيش فيه إلا اذا تعرض ذلك الوسط لنماذج اخرى سيئة.
- قد تختلف الارتباطات الفارقية في الوتيرة و في المدة و في الشدة و كذا الاقدمية ،أي أن الارتباطات مع سلوك إجرامي أو لا غجرامي مختلف حسب هذه المتغيرات الاربع.
- تتكون عملية تعلم السلوك الاجرامي ن طريق اختلاط الجانح و المنحرف بمختلف النماذج و الانماط الاجرامية و النماذج اللا إجرامية (السوية) ، و أنها مثلها مثل أية عملية تعلم اخرى ،فالسلوك الاجرامي هو تعبير عن نفس الحاجات و نفس القيم بالنسبة للفرد.
• تقييم نظرية الاختلاط التفاضلي :
تعرضت هذه النظرية كغيرها من النظريات السالفة الذكر لبعض للانتقاد ،لعل أبرزها العجز و القصور في تفسير تفاوت الاستجابة بين شخص وآخر من المخالطين للعناصر الاجرامية ، حيث ينحرف بعضهم في حين لا ينحرف البعض الاخر، يسجل ايضا إغفال النظرية لجرائم الصدفة و الجرائم العاطفية ، ثم انها لم تفسر اختلاف تأثير البيئة باختلاف التكوين الفردي للاشخاص الذين يعيشون فيها.18
كما أن هذه النظرية لا تفسر كل صور السلوك الاجرامي ، كإجرام المنتمين الى الطبقة العليا في المجتمع ، والفرض أن هؤلاء لا يختلطون مع المجرمين على النحو الذي يفترضه سذرلاند ، عيب على النظرية كذلك عجزها عن تفسير الجرائم التي ترتكب في ثورة انفعال ، او الجرائم التي تقع في فترات الطفولة المبكرة قبل أن يخالط الطفل غيره مدة كافية لتعلم السلوك الاجرامي ، في ناحية أخرى وعند الاخد بمنطق هذه النظرية كون اختلاط الشخص بغيره من المجرمين هو المفسر للجريمة ، فكيف تم تفسير إجرام المجرم الاول ؟ أي من الذي علم هذا الاخير أن يرتكب الجريمة؟19
ويطرح جيفيري صاحب نظرية الاستلاب الاجتماعي عدة انتقادات لهذه النظرية يمكن تلخيصها فيما يلي :
- نظرية الاختلاط التفاضلي لا تفسر الجرائم العاطفية الحديثة.
- لا تميز بين السلوك المنحرف و السلوك غير المنحرف لان كل منهما متعلم.
- لا تاخد بعين الاعتبار العامل النفسي للدافعية او نموذج الفعل الفارقي.
- لا تفسر النسبة الفارقية حسب العمر و الجنس و الانتماء الى جماعة أقلية.
رغم كل الانتقادات التي وجهت الى نظرية الاختلاط التفاضلي ، إلا انها تعتبر بحق من النظريات الرائدة في تفسير السلوك الاجرامي و المنحرف ، كما انها قامت على مجموعة من الفرضيات المترابطة بالإضافة الى تقاطع العديد من الدراسات الحديثة مع هذه النظرية في مجال الجريمة و الانحراف ، كيف لا وهي تعد اول نظرية اجتماعية تتناول مفهوم الجريمة من منطلق اجتماعي بحث بناء على وصف العلاقات الاجتماعية الذاتية المتداخلة من حيث تكرارها و استمراريتها وشدتها ، أو من حيث كمها او نوعها ،كما تعاملت هذه النظرية مع مفهوم انتقال الثقافة ،وهي تختلف تماما عن نظرية تارد .20
خاتمة :
ما يمكن الخروج به من خلال استعراض هذا المتن النظري ، الذي استطاع الى حد ما مقاربة و تفسير الظاهرة الاجرامية من منطلق اجتماعي ، أنه من خلال هذه الدراسات أعيد الاعتبار للعوامل الاجتماعية و دورها في تفسير عوامل الجريمة و هو الامر الذي تما التغاضي عنه ضمن ما يعرف بالاتجاه الفردي في تفسير الظاهرة الاجرامية ،وبهذا فإن هذه الدراسات المقدمة من خلال هذا العرض ستشكل المنطلق و الركيزة الأساسية لولادة و نشأة عدة دراسات مهمة ستغني حظيرة الإتجاه الاجتماعي في تفسير الظاهرة الإجرامية ، وهو ما يمكن ملامسته بعمق مع مدرسة شيكاغو.
باللغة العربية :
- أحمد لطفي السيد : مدخل لدراسة الظاهرة الإجرامية والحق في العقاب الجزء الأول ، الظاهرة الإجرامية { الإشكاليات البحثية – النظريات التفسيرية - العوامل الإجرامية } دون ذكر الطبعة والمطبعة السنة 2003-2004.
- أنتونيو غيدنز : علم الاجتماع ، ترجمة وتقديم الدكتور فايز الصياغ ، الطبعة الرابعة ، المنظمة العربية للترجمة السنة 2001 .
- د.مصطفى عبدالمجيد كارة ،مقدمة في الانحراف الاجتماعي ،الدراسات الاجتماعية و الانتروبولوجية ،الطبعة الاولى ، معهد الانماء العربي ،بيروت ،1985.
- صالح بن محمد آل رفيع العمري ، العودة الى الانحراف في ضوء العوامل الاجتماعية ،الطبعة الاولى ،أكاديمية نايف للعوم الامنية ،الرياض ،2002 .
- عبد الرحمان العيسوي سيكولوجية الجريمة والانحراف ، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية ، بدون ذكر السنة .
- عدنان الدوري و أحمد محمد أضبعية ، أصول علم الإجرام ، العلاقة بين الجريمة والسلوك الاجتماعي ، ط الأولى دون ذكر المطبعة السنة 1998 .
- علي محمد جعفر : الإجرام وسياسة مكافحته ، دار النهضة العربية ، بيروت 1993 .
باللغة الفرنسية:
- Carla Nagels ; Introduction à la criminologie générale ; (Cours donné par carrol tange) 2007- 2008
- carla nagels , »introduction à la criminolgie générale » ,cours donné par carrol tange,anné académique,2007/2008.
- renaud fillieule,sociologie de la délinquence , press univercitaire de France, 1 édition,2001.
- robert k.merton ; »social structure and anomie » , american sociological revied,1938.
- voir :émil durkheim, »le crime,phénomène normal »,publié dans déviance et criminalité ,textes réunis par devis szabo avec la collaboration d’andré normandeau,p.p
76-82,paris,armand colin ;1970عرض حول: ***البوادر الاولى للدراسات التي تناولت مفهوم الجريمة من منطلق اجتماعي***
اعداد الطلبة:
*عبدالعالي الصغيري
*سعيد أصفاح
*يوسف الخلطي
*عبدالرحمن السيد
*سعيد عقاوي
الفهــــــــــــــــــــــــــــــرس
مقدمة: 3
أولا : الإتجاه الجغرافي في تفسير الجريمة : 6
الانتقادات الموجهة للنظرية : 7
ثانيا : نظرية الصراع 8
تقييم النظرية: 11
ثالثا :نظرية الأنوميا و الفرص المتعددة: 13
أولا-نظريات الأنوميا : 13
1-نظرية " اللامعيارية" الانوميا عند دوركايم: 13
أ-الظاهرة المرضية،طبيعتها،خصائصها،مشروعيتها: 14
ب –الجريمة ، ظاهرة مرضية ؟ 14
2-كينغ ميرتون king merton ، البنية الاجتماعية و الانوميا : 15
ثالثا :المدرسة السلوكية الاجتماعية : 18
1-نظرية التقليد و المحاكاة عند كابرييل تارد: 18
ملاحظات على نظرية التقليد لتارد : 21
2-نظرية الاختلاط التفاضلي لأدوين سذرلاند : 22
• تقييم نظرية الاختلاط التفاضلي : 24
خاتمة : 25
مقدمة:
يجب أن نضع في اعتبارنا أن الجريمة أو بالأحرى الظاهرة الإجرامية هي ظاهرة معقدة وذلك بتعقد وتعدد الزوايا التي تعالجها وكذا التخصصات التي تشملها .ادن سنحاول من خلال هدا العرض تقديم بعض النظريات التي تفسر الظاهرة الإجرامية من الناحية الاجتماعية ،اذ بدلا من التأكيد على الفاعل أي الشخص المنحرف،ستقتصر على الفعل أي على الجريمة ،وبالتالي طرح سؤال ماهي المكانيزمات التي تجعل الشخص المنحرف منحرفا ودلك من خلال العوامل الخارجية الاجتماعية والبيئية،هاته الأخيرة التي ليست لها الأثر على الفاعل فقط بل على البيئة والتنظيم الاجتماعي كذلك أو اللاتنظيم وثقافة المجتمع من خلال عاداته وتقاليده وقيمه،اذن ماهي أهم المدارس التي تنصب في هذا المجال؟وقبل كيف نظر بعض علماء الاجتماع والابستمولوجيين إلى مسألة التسميات التي تعالج الظاهرة الإجرامية؟
ادن قبل الخوض في أهم النظريات حاولنا أن نقدم ورقة تفسر إشكالية التسمية "سوسيولوجية الانحراف"من خلال فصل من كتاب لجاك فاجي "سوسيولوجيا الجنوح والعدالة الجنائية"ودلك لمعرفة أهم الإشكالات على مستوى التسمية.
يرى جاك فاجي أن الأبحاث حول الجريمة في البداية ظلت والى نهاية القرن 19كانت حكرا على المجال الطبي ،لكن سرعان سرعان مابدأت هده الهيمنة تتراجع ،خاصة بعد التأكد بأن سلوك المنحرف ليس بالضرورة نتاج خلل عضوي.في هدا الإطار اقترح 1885garofaloالجمع بين عدد من المقاربات العلمية حول الجريمة في إطار علم جديد هو علم الإجرام.وبالتالي سيكتسي هدا العلم صفة مجال معرفي متعدد التخصصات (السوسيولوجيا ،علم النفس،الطب النفسي ،التاريخ والقانون...) حيث لم تكن السوسيولوجيا سوى عنصر من مجموعة من العناصر.
لقد تم تحديد السوسيولوجيا الانحراف والسوسيولوجيا الجنائية من قبل مجموعة من الباحثين القانونيين الايطاليين المحسوبين على الحركة الايطالية،ودلك للتميز عن النظريات البيولوجية والوراثية السائدة.
لقد تم استعمال هاته التسمية(سوسيولوجيا الانحراف) لأول مرة في فرنسا سنة 1886 في العدد الأول من مجلة le revue d’anthropologie criminelle.كما خصص لها دوركايم محاضرة خاصة سنة 1892 بجامعة بوردو.ثم خصص محور تحت عنوان"سوسيولوجيا الإجرام والإحصاء الأخلاقي.la sociologie criminelle et statistique morale من داخل مجلة العام السوسيولوجي من طرف كاستون ريتشارد سنة 1898.
في سنوات 1920 بالولايات المتحدة الأمريكية و1960 باروبا ستعرف الأبحاث حول الانحراف والجريمة تطورات هامة كما وكيفا .وهنا سيتحدث Philipe robert عن السوسيولوجيا الجنائية la sociologie pénale.
يرى جاك فاجي بأن هناك إشكالية على مستوى التسمية (سوسيولوجيا الجريمة،السوسيولوجية الجنائية) ويقترح تسمية أخرى معتبرا إياها أكثر ملائمة لتحديد وضبط وتاطير مجموعة من الظواهر الاجتماعية ،القانونية والسياسية وهي la sociologie de la dililinquance et la justice pénale.
الآن على مستوى السوسيولوجيا الجنائية .فهي تسمية لاشتمل جميع الزوايا المتعلقة بالسلوكيات المنحرفة .ادن مايبرر هدا هو كون القانون لايقدم أي تعريف للجريمة،فهده الأخيرة لايمكن قياسها،إلا بالنظر إلى الجزاء الذي يطبق على كل سلوك جانح حيث لاوجود لجريمة إلا بوجود نص قانوني يعتبرها كذلك.لكن السؤال المطروح هو أن الجريمة أو السلوك المنحرف هو شيء واقعي،حدوثه سابق على النص القانوني الذي يجرمه،وأيضا لايمكننا الاطمئنان لتسمية"سوسيولوجيا الإجرام"لان دلك يعني السعي نحو تعريف وتحديد كل الانحرافات ذات الخطورة وإغفال أخرى.وبالتالي يقترح جاك فاجي استبدال تسمية سوسيولوجيا الاجرام بتسمية السوسيولوجيا الانحراف والجنوح.وتسمية السوسيولوجيا الجنائية بسوسيولوجية العدالة الجنائية.لان السوسيولوجيا الجنائية تكمن محدوديتها في كونها تركز على المخارج القانونية .فالعدالة الجنائية يشاركون فيها (فاعلون،الشرطة الدرك القضاء..).
إن الجمع بين سوسيولوجيا الانحراف والعدالة الجنائية هو إعطاء حل توافقي لمساءلة القانون والسوسيولوجيا في احتواء وشمولية الظاهرة الإجرامية،وهدا ما جاءت به عدة أبحاث.أيضا نجد إشكالية تسمية"سوسيولوجيا الجنوح"في علاقتها مع"سوسيولوجيا الانحراف"هو ا نهاته الأخيرة (الانحراف) تبقى اشمل في موضعها وبالتالي فهي تحتوي الأولى.لان كلمة"انحراف"تعني في الواقع مجموع السلوكيات الاجتماعية التي تبتعد عن القاعدة ،أي تنحرف عن المعايير المتفق عليها والجنوح لاتعني سوى تلك الانحرافات التي اتفق اجتماعيا على كونها أفعالا يعاقب عليها القانون الجزائي.لكن في الواقع هناك تداخل كبير بين الاثنين.
ادن فالمدارس الاجتماعية تنطلق من الانتقادات التي قدمت للتعريف القانوني ،وكدا أسس ومرتكزات النظريات البيولوجية التي كانت سائدة في ايطاليا .فهم يعتبرون إن الجريمة ظاهرة اجتماعية ،وان التجريم ليس حكرا على المشرع (القانونيون) بقدر ماهو مستمد من الواقع الاجتماعي بما يحتويه من قيم ومعايير اجتماعية.بهدا المعنى تكون الجريمة عبارة عن خروج عن معايير المجتمع أو عن قواعد الإجماع،أي القواعد التي يحددها المجتمع وتحكم سلوك أفراده.أو هي تلك الأفعال التي تمثل خطرا خطرا عن المجتمع وتجعل من المستحيل تحقيق التعايش .والتعاون بين الأفراد الدين يؤلفون المجتمع ،أو هي كل مخالفة لمشاعر الولاء الاجتماعي .وهدا ما دهب إليه كل من دوركايم وبارسونز عندما اعتبر الجريمة سلوكا لامعياريا أي منحرفا عن المستوى المعياري في المجتمع.
ادن من خلال هدا المخاض الفكري وعلى أساسه سيتشكل الطرح السوسيولوجي الذي يراعي العوامل الاجتماعية الخارجية ودورها في إحداث الجريمة بواسطة فاعليها أو مرتكبيها .وهدا ما جاء مع تلميذ سيزار لومبروزو انريكو فيري ونظريته المتعددة العوامل ـحيث يعتبر التلميذ المنحرف لاستاده ودلك برد الاعتبارالى عوامل لم تراعيها نظرية استاده.حيث أكد وشدد على العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.فهو اقترح بان الجريمة والجنوح يعتبران حصيلة مقدرات تتعلق بعلم الإنسان وتطوره،علاوة على المعطيات التي تختلف باختلاف الأشخاص وظروفهم .والتي منها الطبيعة الاجتماعية .فهو يرى دلك من خلال عدة متغيرات كعمر الفرد،الجنس،الحرفة،الوضع العائلي،الاقتصادي ،السكن...الخ.هدا بالإضافة إلى العوامل الطبيعية والبيئة الاجتماعية مثل عدد السكان وديانتهم،ضروف الهجرة وأجناسهم وسلالاتهم وكدا المناخ.ادن وبذكر هدا الأخير كانت هناك مدرسة قبل انريكو فيري تتطرق إلى هدا الباب رغم أنها لم تندرج ضمن المدارس العلمية لعلم الاجرام،إلا أنها أرجعت الأسباب إلى عوامل خارجية بيئية ألا وهي المدرسة الجغرافية الخرائطية ودلك مع روادها جيري وكتليه.
أولا : الإتجاه الجغرافي في تفسير الجريمة :
لقد كانت بداية القرن التاسع عشر بمثابة بداية المرحلة العلمية في تفسير الظاهرة الإجرامية،حيث سيعتمد بعض الباحثين على إحصائيات بعض الجرائم فكانت هناك محاولات أولية لتفسير العوامل المؤدية إلى الجريمة، وفي هذا الصدد تم التركيز على العامل الجغرافي والبيئي في تفسير هذه الظاهرة ، وقد ازدهر هذا التيار في فرنسا وبلجيكا من طرف الباحثين جيري وكتلي .
ـ جيري : لقد مكنه موقعه كمدير للشؤون الجنائية بوزارة العدل الفرنسية من الإطلاع على الإحصاءات الجنائية التي نشرتها فرنسا عن الفترة الواقعة بين سنة 1826 ـ 1840 من القيام بتحليل لهذه الإحصاءات، حيث توصل من خلال هذه الدراسة الى أمرين كانا مثارا لدهشته، حيث تبين له أن جرائم الاعتداء على الأشخاص أكثر شيوعا في الأقاليم الجنوبية وأنها تزيد في فصل الصيف، في حين أن جرائم الاعتداء على الأموال تكثر في الأقاليم الشمالية ويزداد عددها في هذه الأقاليم في شهور الشتاء. وعلى هذه الملاحظتين الأساسيتين بنى أدولف كتليه قانونه المعروف بقانون الحرارة الإجرامي.
ـ كتليه : حاول هذا الباحث أن يعطي تفسيرا لما توصل اليه صديقه جيري فقد أضاف إلى العوامل الجغرافية عوامل اجتماعية تتمثل في نسبة التعلم لدى الفرد، السن، اللامساوات الاجتماعية أي اللامساوات بين الوسائل والحاجات والطموحات المبتغاة وبالتالي هنا نجد أيضا بأن المحيط الاجتماعي له تأثير على سلوكات المجرم.
من أجل فهم نظرية كتليه أكثر هناك بعض الخلاصات التي قدمها في هذا الصدد :
1 ـ يقدم كتلي الجريمة على أنها عمل فظ لكن الإجرام بصفة عامة هو ظاهرة يجب التعامل معها كباقي الظواهر ( الطلاق ، الرشوة... ).
2 ـ أنه يجب دراسة الجسم الاجتماعي وليس الخصائص التي تميز الأفراد واذا أردنا فهم الجسم الإجتماعي يجب دراسة الإنسان الوسطي والذي يعد النموذج الذي يتواجد فيه أغلب أفراد المجتمع أي الإنسان المتزن.
3 ـ إن الأفراد الذين يرتكبون الجرائم ليسوا في نظر كتلي غير طبيعيين أو مرضى بل هناك فهناك عناصر تؤثر على نواياهم في الاتجاه نحو الإجرام وارتكاب الجريمة لهذا يجب فهم هذه العناصر.
4 ـ أن ظاهرة الإجرام مرتبطة بسلوكات فئة قليلة مقابل فئة كبيرة تحترم القوانين المعيارية وتنصاع لها.
لقد درج هذان الباحثان إلى تفسير عوامل الإجرام بعوامل طبيعية كالوسط الجغرافي ، المناخ ودرجة الحرارة وكذلك عوامل اجتماعية كالتغيرات التي شهدها المجتمع آنذاك بظهور الصناعة والتغيرات في التنظيم الاجتماعي، حيث بدأت تظهر عوامل الرفاه الاجتماعي في وقت وجيز وبالتالي أصبح هناك تفاوت بين الإمكانيات المادية والحاجات المطلوبة لدى الأفراد .
الانتقادات الموجهة للنظرية :
إن القول بأن العوامل المناخية لها تأثير مباشر على نوع الجرائم وحجمها هو سبب غير كافي لتفسير ظاهرة الأجرام بأسرها، حيث يقتصر دور هذه العوامل على تفسير قسمين فحسب من أقسام الجرائم ، وهما جرائم المال وجرائم الاعتداء على الأشخاص وبالتالي هناك جرائم أخرى لا تخضع لهذه العوامل.
ثانيا : نظرية الصراع *
يرجع أصول هذه النظرية إلى التراث والفكر الاشتراكي الماركسي مع كل من" كارل ماركس " و " فردريك انجلز" أصحاب بيان الحزب الشيوعي خلال منتصف القرن 18 . ترتكز هذه النظرية في تفسيرها للجريمة على أن هذه الأخيرة ما هي إلا إفراز من إفرازات النظام الرأسمالي أو بتعبير أدق الجريمة هي رد فعل لعدم وجود توزيع عادل للثروة والقوة في المجتمع الرأسمالي 1، وفهم هذا القول ينبغي استحضار لمقولات ماركس المشهورة من قبيل النظام الرأسمالي وكذلك الصراع الطبقي الكائن بين الطبقة البرجوازية والطبقة البروليتارية 2 ، الأولى بما هي مالكة لوسائل الإنتاج متحكمة واضعة لبنية فوقية مبررة قهرها وتسلطها تعيش الغنى والرفاه وتمارس الاستغلال والعبودية في حق الطبقة الثانية طبقة العمال كطبقة ممثلة كقوى إنتاج مستغلة تعيش الفقر و الاستغلال و الحرمان والاغتراب ** المتجسد أساسا في طول ساعات العمل و ضآلة الأجر و عدم الإفادة من فائدة الإنتاج فضلا عن تشغيل النساء والأطفال و انخفاض مستوى التعليم ومستوى الرعاية الصحية.
إذن و أمام هذا الوضع تتولد الجريمة في صورتين اثنين : الأولى تتمثل في رغبة الرأسماليين في تحقيق أكبر نسبة ربح ، يدفعهم ويؤدي بهم لارتكاب جرائم الرشوة والتهرب الضريبي والجمركي والغش التجاري والمنافسة الغير الشريفة يعزز هذا الكل المشين بنية فوفية تصوغه وتبرره وتدافع عنه ومن ثم يصبح القانون عامة ، والقانون الجنائي خاصة والذي يحضر كوسيلة للطبقة البرجوازية في صراعها ضد أفعال وسلوك طبقة العمال .في ظل هذا النظام الرأسمالي هو عين الجريمة وخالقها . أما الصورة الثانية للجريمة في النظام الرأسمالي فتتمثل في إقدام الطبقات الكادحة في ردود أفعالهم اتجاه الوضع المزري الذي أوضعهم فيه هذا النظام المجتمعي وبمختلف ميكانزماته الاقتصادية أملاً منهم في الحصول على مال يستعينون به على قضاء الحوائج أو انتقاماً من المجتمع الرأسمالي الذي فسد نتاج سوء توزيع الثروة3.
تبعا لهذا فقد كانت أراء كل من ماركس وإنجلز بمثابة تلك اللبنات الأولى والأسس والأعمدة لتشكل ما يعرف في وسط علم الإجرام بالمدرسة الاشتراكية L’école socialist . والتي رأت وربطت بين ا بين السلوك الإجرامي وبين ميكانيزم النظام الرأسمالي القائم على الملكية الخاصة والمنافسة الحرة ومرونة العرض والطلب. هذه الرابطة التي تقوم لديهم على مبدأ الحتمية الاقتصاديةLa déterminisme économique ، أي النظر للعامل الاقتصادي كوجه للنظام الرأسمالي بكونه العامل الوحيد في الدفع نحو الجريمة.
شاع منطق المدرسة الاشتراكية هذه بين علماء كثيرين في مجموعة من أقطار أوربا كألمانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا ومثال ذلك وليس على سبيل الحصر الدراسات التي قام بها كل من " فون كان Van Kan" ، "روزنج Rozeng " و " بونجر Bonger " . الأول التي صدرها في مؤلفه المنشور عام 1903 تحت عنوان الأسباب الاقتصادية للإجرام Les causes économiques de la criminalité والثاني في رسالة دكتورته التي قدمها في سنة 1929 حول "الجريمة كنتاج اجتماعي واقتصادي" Le crime comme produit social et économique .أما الثالث "وليام أدريان بونجر William Adrian Bonger" العالم الهولاندي والذي وبحق حضر فيه و معه في تفسيره للظاهرة الاجرامية منطق المدرسة الاشتراكية من خلال كتابه الذي نشره في أمستردام عام 1905 أسماه "الإجرام والظروف الاقتصادية" Criminality and Economic Conditions ، تناول فيه مساوئ النظام الرأسمالي وأثر المنافسة الحرة ونظم الأجور والأسعار على حركة الإجرام 4 توصل إلى هذا في قوله وكمسلمة أولية لديه بأن الإنسان يتميز بنزعات أنانية لا تؤدي بذاتها إلى جعل الإنسان مجرما إلا أن الظروف المحيطة به والذي يعيش من داخلها قد تكبر وتنمي فيه تلك النزعات الأنانية بشكل كبير ومتوحش يصبح معها هذا الإنسان أناني جدا ينتصر لمصلحته وفقط ، يصبح معها أكثر عرضة لارتكابه السلوك الإجرامي لأن النظام الرأسمالي بنظامه الاقتصادي ألفرزي والمتحيز القائم على أساس القيمة التبادلية وحرية السوق وكذا منطق ثنائية الربح والخسارة ، السعر والفائدة ، المنتج والمستهلك ، العامل ورب المعمل ، الأجرة والسلعة ... الخ لهو نظام يوفر ويخلق حياة ينعدم فيها الإيمان بالمصلحة العامة والإحساس بالمسؤولية الجماعية والاجتماعية فالتاجر والسارق حسب "بونجر" يشبهان بعضهما البعض من حيث أن كلا منهما يهتم بمصالحه الخاصة5
وعكس الوضع هذا ما تعيشه الشعوب البدائية حيث هناك حضور لمشاعر حب الغير وغلبة روح التضامن الاجتماعي بين مختلف أفرادها والسبب في هذا حسب " بونغر " يرجع إلى نظامها الاقتصادي ونمط إنتاجها القائم على إشباع الاستهلاك الشخصي وليس التبادل ، الغياب التام لمفهوم الملكية الفردية ، المصلحة الخاصة ، الربح والفائدة بل مع هذه الشعوب و المجتمعات هناك حضور لمفهوم المشاعية والملكية المطلقة والرخاء العام والغياب التام لفكرة تكديس الثروات 6.
إذن ومن كل ما قيل فإن "وليام أدريان بونجر William Adrian Bonger" بمقارنته هذه وقوله بأن الظروف التي يعيش فيها الفرد وتخصيصه للعامل الاقتصادي في شكله ونوعه الرأسمالي بكونه الخالق للفعل الإجرامي ، لهو ضرب ودحض ورفض وتفنيد للقول بأن أسباب الجريمة ترجع إلى عوامل عضوية ونفسية.
تعززت نظرة " بونغر " هاته وتطورت في سبعينيات القرن 20 مع ما عرف ويعرف في وسط علم الإجرام ب علم الإجرام الجديد 7 مع كل من " تايلور " و " يابتون" و "يونغ " حيث شنوا هجوما على جل النظريات التي تربط الجريمة بما هو عضوي و نفسي في ذاتية الشخص المقدم على الجريمة في تفسيرها للجريمة والاشارة هنا الى نظرية لمبروزو وفرويد.
هذا فضلا عن ذهابهم في تفسيرهم للسلوك الإجرامي - بأبعد ما قال به "بونغر" في تفسيره للظاهرة الإجرامية - وبشكل راديكالي بقولهم بأن أسباب الجريمة ترجع إلى تلك الفوضى الاجتماعية التي يخلقها النظام الاجتماعي الرأسمالي ولتجاوز هذا ينبغي تغيير وبدافع راديكالي المجتمع الرأسمالي إلى مجتمع جديد تنعدم فيه الطبقات يعيش ويحي فيه كل فرد مفعما بالحياة ويسود الخير الجماعي والمشترك 8 ومن ثم تصبح العدالة الاجتماعية أساسا لتوزيع الثروة والربح .
تقييم النظرية:
ختاما وكخلاصة لما قيل عن نظرية الصراع في تفسيرها للظاهرة الإجرامية بدأ من ماركس وإنجلز ومرورا بيونغر و وصولا إلى ممثلي علم الإجرام الجديد فإن هذه النظرية وبحق قد قاربت الصواب والعلمية في مقاربتها للظاهرة الاجرامية فقولها بارتباط الجريمة كما ونوعا بالظروف الاقتصادية. مقارنة " بونغر" لجضور الجريمة في كل من المجتمعات البدائية والمجتمعات الرأسمالية ناهيك على أن التحول من نمط اقتصاد قائم على الزراعة إلى نمط اقتصادي جديد ناهض على الصناعة خلال القرن التاسع عشر صاحب معه ظهور إجرام جديد خفي وذهني قائم على الذكاء في جنب الإجرام التقليدي ذو الوجه العضلي التعنيفي. هذا فضلا عن تقلبات السوق و الأسعار والأجور. باختصار فمقاربة نظرية الصراع / النظرية الاقتصادية / النظرية الاشتراكية للجريمة فهي جاءت كنقيض لتلك التفسيرات الفردية التي ترجع أسباب الجريمة إلى عوامل بيولوجية -المدرسة البيولوجية للجريمة بزعامة لومبروزو-
نفسية – مدرسة التحليل النفسي بزعامة سيغموند فرويد – وكذا كرد على المدرسة الاخلاقية التي تربط الجريمة بالأخلاق والقواعد المعيارية. والقول بان مكمن الجريمة وباعثها هو النظام الرأسمالي بمختلف أنساقه التنظيمية التنشيئية والقانونية والإنتاجية. التي تكرس في وظيفتها للتوزيع الغير العادل للثروة والسلطة والذي يخلق لا محالة للصراع بين من يملكون القوة والثروة والذين لا يملكون ذلك . غير أن هناك بعض المآخذ والانتقادات التي وجهت لهذه النظرية في مقاربتها وتفسيرها للجريمة يمكن إجمالها في النقط التالية :
- قولها بالعامل الواحد في تفسير الظاهرة الإجرامية الذي هو العامل الاقتصادي أي الحتمية الاقتصادية وإهمالها لبقية العوامل الأخرى التي هي بدورها أسباب في تفسير هذه الظاهرة التي هي وبحق تبقى ظاهرة
ثالثا :نظرية الأنوميا و الفرص المتعددة:
أولا-نظريات الأنوميا :
لقد نبعت هاته النظريات من الاتجاه الوظيفي و الذي كان بمثابة الرافد الاساسي لهاته النظريات كلها ، هذا الاتجاه الذي يرى أن المجتمع هو وحدة في كليته متكاملة كتكامل أعضاء الجسد، من هنا كان من الضروري بالنسبة لرواد هذا الاتجاه ربط كل ظاهرة بالمجتمع الذي أفرزها ، وبصيغة عامة ان الاتجاه الوظيفي لا يعتبر الافراد فاعلين داخل المجتمع و انما هم مجرد عملاء تحددهم بنية المجتمع1السؤال اذن هو كيف ذلك؟
1-نظرية " اللامعيارية" الانوميا عند دوركايم:
نشر دور كايم كتابه قواعد المنهج في علم الاجتماع" سنة 1894 ناعتبر فيه أن الظاهرة الاجتماعية يمكنها هي الاخرى أن توصف بالمرضية او السليمة ، وذلك انطلاقا من حالة قد يتعرض لها النظام الاجتماعي وتجعله غير منظم ، بمعنى انه أصيب بالاختلال واللاتوازن ومن ثم باللاقاعدية و اللاقانون ،فهذه هي حالة الانوميا anomie .
هذا يحيل الى ان المجتمع اذا غابت منه القاعدة المنظمة لسلوك افراده دخل في حالة من الانوميا ،بمعنى حين يحصل تناقضا بين متطلبات الفرد وواجباته مما يجعله متوترا و مضطربا ما يدفعه الى الانزواء ومن ثم العزلة في الظل، الا ان السوؤال الحاسم هو ما علاقة هذا بظاهرة الانحراف او بالاحرى الاجرام؟ .
ان انزواء الفرد يؤدي به حسب دوركايم الى اظهار سلوكات الرفض والاعتراض ومن ثم ظهور مجموعة من الظواهر المنحرفة و المرضية و التي تزعزع بنيةالمجتمع.
أ-الظاهرة المرضية،طبيعتها،خصائصها،مشروعيتها:
يرى دور كايم ان الظاهرة المرضية لا تختلف في طبيعتها عن الظاهرة السوية،بل أكثر من ذلك فان الشروط التي خصصها للظاهرة العادية تليق وتنطبق على الظاهرة المرضية نفسها ، فهي في اعتقاده ضرورية للاسباب التالية :
1-هي عادية بمعنى 2normal ذلك انها موجودة في جميع المجتمعات في كل زمان و مكان ، انها ملازمة لوجود الانسان.
2-هي وظيفية أي انها مهمة بالنسبة للمجتمع و لتطوره ولاكتساب الصلابة و المتانة بمعنى المناعة.
3-هي ليست حتمية، يقول دوركايم3: « ce n’est pas seulement dire qu’il est un phénomène inévitable… » ،بمعنى أنها نسبية ،ذلك ان ارتفاع نسبة الظاهرة المرضية يحيل الى وجود حالة من الانوميا ،كذلك هو الشان بالنسبة لانخفاضها بشكل كبير،(هناك عتبة و درجة معينة لا ينبغي للجريمة أن تتجاوزها) ،هذا يظهر جليا ان دور كايم يضفي نوعا من المشروعية على الظاهرة المرضية ،طبعا-غير أن هذا لا يعني أنه يشجعها و يدعو إليها.
ب –الجريمة ، ظاهرة مرضية ؟
ان السوؤال الذي نروم معالجته هنا هو هل يمكننا اعتبار الجريمة ظاهرة مرضية،طبعا، ان الجواب سيأتي على صيغة النفي استنادا الى دور كايم نظرا لخصائصها و طبيعتها العادية-كما أسلفنا-وهي أيضا لا تؤثر في الوظائف الاساسية للمجمتع و نظامه و ثقافته ، بل يرى دوركايم أن غيابها بالعكس من ذلك قد يسبب حالة من اللاستقرار و اللاطمانينة داخل المجتمع و بالتالي بروز مشكلات اجتماعية عويصة.ماذا يعني هذا؟
ان هذا الطرح يفضي بنا مباشرة الى كون المجتمع مستحيل وجوده بدون جريمة و العكس بالعكس ، ان هناك علاقات وطيدة بين المجتمع و الجريمة ، بمعنى أن الجريمة عند دوركايم هي تنبثق من ما هو اجتماعي و هو كسوسيولوجي ارجع أسبابها الى البيئة الاجتماعية ،فالظروف الاجتماعية4 هي التي تؤدي الى ارتكاب الجرائم.
2-كينغ ميرتون king merton ، البنية الاجتماعية و الانوميا :
ان ما يميز نظرية كينغ ميرتون هي اعتبارها ان الافراد يتموقعون في وضعية حيث يواجهون الضغوط التي تفرضها عليهم القوى المتناقضة للمجتمع ، هذا ما يجعلهم يعانون من التوتر tension، هذا التوتر ناتج عن صعوبة بالغة في النجاح في تحقيق الرغبات واشباع الغرائز الطبيعية ، او بالاحرى الضرورية لان عدم تحقيقها يؤدي بالفرد الى الخروج عن ثقافة مجتمعه ، حيث ان هاته الثقافة تستلزم عليه تحقيقها ، الا ان الاشكال الدي يواجهه كينغ ميرتون و الذي انطلق منه في مقاله المعنون ب5 « social structure and anomie » بمعنى البنية الاجتماعية و الانوميا"6 وتسليما بان الفرد الذي لا يقدر على تلبية الرغبات الاجتماعية قد يلجأ الى شكل من أشكال الانحراف لتحقيقها ، هو ما طبيعة هذا التوتر الذي يعانيه الافراد ؟ وما هو منبعه؟
هذا ربما هو الانطلاقة التي يبدأ منها كل الباحثين في نظريات الانوميا و التوتر ، الا أن الاختلاف بينهم يكمن في طريقة معالجة هذا الاشكال 7،وبالنسبة لميرتون فانه يرجع هذا التوتر و الاضطراب الى عدم التكافؤ بين البنية الاجتماعية و القيم الثقافبة valeurs culturelles ، والتي تكون سائر الاهداف المشتركة بين كافة الافراد و كذا الوسائل المشروعة والمباحة في تحقيق هاته الاهداف8.
من هذا المنطلق يجوز لنا تعريف الفعل الجانح باعتباره عدم التناسق بين القيم الثقافية المحددة سلفا و الطرق المبنية اجتماعيا لاجل تحقيق تطلعات aspination
ومقاصد هاته القيم ، ان هاته النظرية حسب مبدعها ميرتون ذات أهمية من حيث انها تسمح لنا بالاخد بعين الاعتبار ظواهر الانحراف الصغيرة او الثانوية وبشكل أكثر عمومية أشكال الجنوح التي تطبع المجتمع الامريكي انذاك خاصة.
بيد أنه لا يكتفي بهذا بل انه يطرح سوؤالا ذو أهمية جد بالغة ألا وهو :كيف استطاع الافراد في الولايات المتحدة الامريكية أن يشغلوا مواقع متباينة داخل البنية الاجتماعية الامريكية وكذا ان يتكيفوا مع هدف الاغتناء و النجاح المهني؟ ! .
يجيب كينغ ميرتون انطلاقا من نظرية أسماها بنظرية المضاهاة la conformité والجنوح la déviance 9 ، والتي تتلخص في خمسة أنواع من التكيف ، طبعا تكيف الاهداف مع الوسائل ،بشكل اكثر دقة تكييف الوسائل مع الاهداف .
أولا : الممتثلون أو المضاهاةla conformité :بمعنى ان الافراد يقبلون الاهداف الثقافية التي تكتسي اهمية بالغة داخل مجتمعهم او جماعاتهم وكذا حتى الوسائل المشروعة و المتواطأ حولها .
ثانيا :الابداع l’innovation : حيث يقوم الفرد باستيعاب الهدف الثقافي لمجموعته فانه يلجا الى تحقيقه باستخدام الوسائل المحظورة وليس الوسائل المتفق عليها و المحددة سلفا.
ثالثا : الطقوسية la ritrolisme :في هاته المرحلة يتم التخلي عن الهدف الثقاتفي للاغتناء مثلا ، والتركيز اكثر عن المعايير المؤسساتية،(مثال: تكيف الطبقة الوسطى الفقيرة) .
رابعا :الانعزاليون (المغتربون) la retraitisme : خلال هذه المرحلة يرفض الفرد بالمرة المعايير أو الاهداف الثقافية و الوسائل المؤسساتية (مثال :les texicomanes)10.
خامسا :التمرد و العصيان La rébellion : يسعى الفرد خلال هاته المرحلى الى تغيير الاهداف الثقافية و كذا البنية الاجتماعية ، ويستشهد ميرتون على هذه المرحلة بمثال الجمعيات التي تناضل ضد الاغتناء كهدف ثقافي.
اذن و بشكل عام فقد تلخصت نظرية ميرتون في تسطيرها لوجود عدم التكافؤ بين الاهداف والوسائل خاصة في الطبقات الفقيرة التي تعاني من تنافر بين الاهداف المحددة سلفا و بين الفرص المتاحة لبلوغها ، هكذا فان المراهق الذي ينشأ في وسط فقير و الذي يعلم جيدا أن بلوغ النجاح امر مستحيل أو على الاقل صعب في مثل هاته الظروف و خاصة بواسطة طرق مشروعة فانه يلجا الى الوسائل غير المشروعة لتحقيق هدفه .
ثالثا :المدرسة السلوكية الاجتماعية :
يركز المنتمون لهذه المدرسة على بعض أنواع السلوك المتأثرة بمكونات الواقع الاجتماعية في تشكلها و استمرارها في تفسير الظاهرة الاجرامية.
من أنصار هذه المدرسة جبرييل تارد الذي ركز على متغير المحاكات و التقليد وأدوين سترلاند الذي أكد على دور الانخراط في الجماعات المنحرفة أو ما أسماه " الاختلاط التفاضلي" Association differtially.
1-نظرية التقليد و المحاكاة عند كابرييل تارد:
ظهرت هذه النظرية في نهاية القرن 19م وضعها كابرييل تارد سنة 1989 ، ويرى أن التقليد هو العنصر النمطي المميز للحياة الاجتماعية لانه يمثل الومضة الاولى للشعور و هو رمز الاندفاع البيو عقلي الأولي .تارد يؤكد ان الانسان لا يولد مجرما ، وانه لا يعتبر مجرما بالفطرة ، وانه يصبح كذلك فقط من خلال البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها ، من خلال تنشئته الاجتماعية ومعتقداته الثقافية ،وبمحاكاته للاخرين .11
القوانين الاساسية للتقليد حسب تارد12 :
- يقلد الناس بعضهم البعض و يكون التقليد أكبر كلما كانت الروابط أقرب و أوثق.
- في مجتمع معين يقلد الادنى الاعلى ،الفقير يقلد الغني ، الصغير يقلد الكبير ، و المحكوم يقلد الحاكم...
- اذا التقى نموذجان متعارضان و متنابذان فأحدهما يستبدل الاخر.
ترى نظرية التقليد او المحاكاة أن الانسان حينما يسلك أي سلوك ، انما هو مقلد لمثل يحتدى به في سلوكه هذا ، أي يسعى الفرد لتقليد غيره ممن يتفاعل معهم ، والجريمة هي بدورها سلوك اجتماعي ، و الفرق الكامن هنا هو درجة القبول الاجتماعي لها الذي يتحدد بمقدار الضرر الاجتماعي اللاحق بالجماعة اثر هذا السلوك أو ذاك ، فكلما انخفض الاثر السالب زاد قبول السلوك حتى اذا ارتفعت ايجابيته صارت الجماعة تحث عليه.
المجرم في هذه النظرية مثله مثل غيره من الافراد في عامة الخصائص العامة كسمات أبناء جنسه او عرقه أو ما في حكمه ، كذلك هذه النظرية ترى ان الانسان لا يسلك أي مسلكا اعتباطا ، وانما بموجبات عدة من أهمها اتخاد مثل يحتدى به ، أي أن الفرد يسعى الى تقليد المثل في تفاعله الاجتماعي مع الاخرين.
يرى تارد ان الجريمة ظاهرة لا اجتماعية (مرضية) ضارة المجتمع و تضر بمصالحه و مصالح الافراد ، فهي في نظره كمرض السرطان الذي يتدخل في حياة الكائن الحي ولكنه تدخل مؤذ ضار يؤدي الى موته أو فنائه ، ومن هنا يرى أن الجريمة ظاهرة مثلها مثل الصناعة و الفرق بينهما كامن في أن الاولى ضارة او سلبية أما الثانية فيغلب أثرها الايجابي على اثارها السلبية ، فالجريمة كأي انتاج صناعي جديد يخلق على أيدي فئة قليلة جدا من الافراد ثم سرعان ما يتهافت الاخرون على تداوله و العمل به حتى يشيع استعماله بين أغلبية المجتمع.
التقليد في نظر تارد لا يكون الا في جماعة ، ويرى امكانية انتقال السلوك الاجرامي بين أفراد المجتمع عن طريق الاختلاط و الاتصال الاجتماعي ، و عملية الانتقال يمكن ان ترى في التنظيم الاجرامي ،وفيما يخص لماذا يصبح بعض أفراد المجتمع دون اخرين في نفس المجتمع الواحد ، فانهم حسب تارد يختلفون في استجاباتهم و تاثرهم بالعوامل المحيطة بهم من وقت لاخر ،وهم يختلفون في المواقف و في قوة التحمل و قوة الشخصية و درجة التاثر بالعوامل المحيطة و مدى الالتزام بالقيم و العادات.
تجدر الاشارة الى ان تارد استخدم نظرية التقليد الى جانب تفسير السلوك الاجرامي في بناء نظريته انطلاقا مما يلي :
- أ-النموذج المحترف .
- ب- تصنيف المجرمين.
- ج-المسؤولية الاخلاقية .
- د-النظام العقابي .
أ – النموذج المحترف : يرى تارد ان المجرمين عموما نماذج محترفة ، ومرتكبوا البغاء و القتلة و اللصوص ، أصبحوا محترفين نتيجة تمرسهم في هذه الاعمال خلال فترة طويلة ، ان مثل هؤولاء المجرمين لم يولدوا مجرمين ، ولكن ظروفهم الاجتماعية هي التي دفعتهم لذلك نظرا لانهم يعيشون في بيئة مليئة بالفساد و الانحراف السلوكي ، ومن هنا اضطرتهم الظروف ليعيشوا مع رفقاء السوء ، ويلاحظ ان مثل هؤولاء المجرمين يعيشون حياة خاصة بهم فهم يستعملون لغة خاصة بهم ، وتصرفاتهم و علاقاتهم تحكم عن طريق انظمة داخلية خاصة بهم ، كما انهم يتخدون أسلوبا خاصا في ارتكاب جرائمهم.
ب .تصنيف المجرمين :يصنف تارد المجرمين الى صنفين : مجرمين حضريين ، ومجرمين ريفيين ، والمجرمون الحضريون هم سكان المدن و تتميز جرائمهم بانها مشبعة بما يجري في المدن كحب المادة و الاعمال ذات الطابع التقليدي ،مثل جرائم السرقة و الاحتيال و الغش ، أما المجرمون الريفيون فهم سكان القرى الذين يمارسون الزراعة ، وتتميز جرائمهم بطابع العنف ، كالقتل و الاعمال الانتقامية.
ج –المسؤولية الاخلاقية :يرى تارد انه لكي يكون الإنسان مسؤولا عن فعله لابد أن يكون سليم العقل ، وفي عمر يسمح له بالإدراك و ليس سكران و لا منوما تنويما مغناطيسيا عند ارتكابه للجريمة ، و هذا ما يسميه "الهوية الفردية" كما ان المجرم و ضحيته لا بد ان يكونا من مجتمع واحد ، ليكون الاتصال الاجتماعي بينهما كافيا ليمكنهم من التقليد و هذا ما يسميه "بالتماثل الاجتماعي " اي الاتصال بين أفراد المجتمع.
د – النظام العقابي :يرى تارد انه لا بد من وضع أطباء و علماء نفس في المحكمة للعمل الى جانب المحلفين ، و ذلك لتحديد مسؤولية المتهم كما يرى انه لا يصح تحديد عقوبة لكل جريمة ، ولكن تحدد عقوبة لكل مجرم ، لان المسؤولية تختلف من شخص لآخر ، كما يختلف المجرم من الحضر عن المجرم من الريف ، ويجب ألا تكون العقوبة واحدة حتى لو كانت الجريمة في كلا الحالتين واحدة .
كما نادى تارد بتصنيف السجناء حسب المستوى الاجتماعي و التفريق بين سجناء المدن و سجناء الريف ، كما نادى بالسجن الانفرادي لكي لا يتاح للمجرم المبتدئ الاختلاط بالمجرم القديم ، وكذلك نادى بالابقاء على عقوبة الاعدام ولكن بطرق مريحة و بدون ألم ، واذا لم تثبت جدواها يمكن ان تلغى و تستبدل بها العقوبة الجسمية .
ملاحظات على نظرية التقليد لتارد :
- اذا كان الاجرام حسب تارد رهين بدرجة تقليد الافراد بعضهم لبعض فكيف يزيد الاجرام و يتغير في طرق ابدائه في المجتمعات الحضرية ذات الدرجة الاقل من التقليد نظرا لزيادة التباين بين الوحدات الاجتماعية للافراد.
- اذا كان التقليد ييسر لنا تفسير انتشار الاجرام فكيف نفسر منشأه الاول ؟ اي لماذا ارتكبه أول المرتكبين و الذي قلده من اتو بعده.
- النظرية (التقليدأو المحاكاة) تهمل بشكل واضح الاجرام بالخطأ و كأنها لا تراه ضربا من الاجرام الذي يحتاج هو الاخر الى معالجة قائمة على اساس الفهم العلمي.
- ربط عملية السلوك الاجرامي تتم من خلال عملية التقليد و هذا من شأنه اغفال و اهمال العوامل الاخرى مثل العوامل الاجتماعية و الاقتصادية.13
- يجب الاشارة كذلك الى ان استجابة الاشخاص للعوامل المحيطة بهم تختلف من شخص لاخر ، فنجد ان البعض منهم يتأثر بدرجة سريعة و البعض الاخر يكون تاثره بسيطا ، بينما البعض الثالث لا يتأثر على الاطلاق ،و السبب يكمن في اختلاف درجة الاستجابة المرتبطة بطبيعة الثقافة و تكوين الشخصية .كما ان الاستجابة تختلف باختلاف السلوك ان كان ايجابيا او سلبيا.
- اذا كان السلوك الاجرامي يتم من خلال عملية التقليد وحده فلما لم تصبح معظم المجتمعات مجرمة ؟
- هذه النظرية أغفلت تماما دور العوامل العضوية و النفسية في الدفع نحو السلوك الاجرامي .14
بوجه عام فهذه النظرية لا تفسر الظاهرة الاجرامية بقدر ما تقدم شروح لعمليات انتشار السلوك الاجرامي فقط و ذلك بالاعتماد على ظاهرة نفسية هي التقليد IMITATION ?.
2-نظرية الاختلاط التفاضلي لأدوين سذرلاند :
نظرية الاختلاط التفاضلي (الارتباط الفارقي) ، هي نظرية تعلم إجتماعي social learning theory ، وقد تمت صياغتها عام 193915 على يد أدوين سذرلاند (Sutherland.A) ، ومفادها ان السلوك الاجرامي سلوك مكتسب غر موروث ، يتعلمه الفرد من خلال اختلاطه بافراد آخرين ، وذلك بعملية تواصل او عملية تفاعل اجتماعي بين الافراد الذين ينتمون الى الجماعة الواحدةى أو المجتمع الواحد ، ويتم هذا التواصل الاجتماعي بالاتصال اللفظي ،أي باللغة الكلامية الشائعة أو بلغة الاشارة أحيانا .
ويرى سذرلاند أن عملية التعلم هذه لا تجري بين أطراف متباينين و بصورة عشوائية ، بل ان مثل هذا الاتصال لا يتم الا بين أشخاص على درجة متينة من الصلة الشخصية أو على درجة واضحة من الصداقة و الزمالة ، وهذا يعني أن يكون من بين هؤلاء الافراد علاقات أولية مباشرة ، ويضيف سذرلاند أن المخالطة التي يقصدها في نظريته تتراوح درجتها وفقا لاربعة أسس و هي : 1-مدى تكرارها و دوامها و أفضليتها و عمقها 16. وقد طور هذه النظرية فيما بعد تلميذه "دونالد كريسي Donald Cressey" حين أشرف على إعادة طبع مؤلفه حول "مبادئ علم الاجرام عام 1950 ، و يمكن إيجاز فحوى هذه النظرية في شكلها النهائي وفق ما يلي :17
- يتم اقتباس السلوك الاجرامي عن طريق التعلم ،ويتم تعلم هذا السلوك بالاختلاط و التفاعل و التأثير المتبادل مع أشخاص آخرين خلال عمليات التواصل و الاتصال ،وذلك داخل جماعة صغرى ضيقة من العلاقات الشخصية ، اذن فالسلوك الاجرامي هنا سلوك مكتسب وليس وراثي والذي لم يتلقى تكوينا إجراميا لا يولد مجرما .
- تشتمل عملية تعلم الفرد لمختلف أنماط السلوك الاجرامي على اولا تعلمه لوسائل ارتكاب الجريمة ،و التي تكون غاية في التعقيد احيانا ،و احيانا اخرى في منتهى البساطة وثانيا تعلمه للكيفية التي يتم بها تكوين نوع خاص من التوجيه لما يحمله من بواعث او دوافع و تبريرات و مواقف ، وذلك من خلال التفسيرات و التعريفات المتعلقة بالنصوص القانونية ، وقد تؤيد هذه التفسيرات نصوص القانون التي تتفق معها و تلتزم بها او انها تخالفها و ترفضها بناء على ذلك .
- يصبح الفرد مجرما عندما تتغلب التفسيرات غير الملائمة لاحترام القانون على التفسيرات الملائمة له و هذا ما شكل مبدأ الارتباط الفارقي . كما ان كل فرد يستوعب ثقافة الوسط الذي يعيش فيه إلا اذا تعرض ذلك الوسط لنماذج اخرى سيئة.
- قد تختلف الارتباطات الفارقية في الوتيرة و في المدة و في الشدة و كذا الاقدمية ،أي أن الارتباطات مع سلوك إجرامي أو لا غجرامي مختلف حسب هذه المتغيرات الاربع.
- تتكون عملية تعلم السلوك الاجرامي ن طريق اختلاط الجانح و المنحرف بمختلف النماذج و الانماط الاجرامية و النماذج اللا إجرامية (السوية) ، و أنها مثلها مثل أية عملية تعلم اخرى ،فالسلوك الاجرامي هو تعبير عن نفس الحاجات و نفس القيم بالنسبة للفرد.
• تقييم نظرية الاختلاط التفاضلي :
تعرضت هذه النظرية كغيرها من النظريات السالفة الذكر لبعض للانتقاد ،لعل أبرزها العجز و القصور في تفسير تفاوت الاستجابة بين شخص وآخر من المخالطين للعناصر الاجرامية ، حيث ينحرف بعضهم في حين لا ينحرف البعض الاخر، يسجل ايضا إغفال النظرية لجرائم الصدفة و الجرائم العاطفية ، ثم انها لم تفسر اختلاف تأثير البيئة باختلاف التكوين الفردي للاشخاص الذين يعيشون فيها.18
كما أن هذه النظرية لا تفسر كل صور السلوك الاجرامي ، كإجرام المنتمين الى الطبقة العليا في المجتمع ، والفرض أن هؤلاء لا يختلطون مع المجرمين على النحو الذي يفترضه سذرلاند ، عيب على النظرية كذلك عجزها عن تفسير الجرائم التي ترتكب في ثورة انفعال ، او الجرائم التي تقع في فترات الطفولة المبكرة قبل أن يخالط الطفل غيره مدة كافية لتعلم السلوك الاجرامي ، في ناحية أخرى وعند الاخد بمنطق هذه النظرية كون اختلاط الشخص بغيره من المجرمين هو المفسر للجريمة ، فكيف تم تفسير إجرام المجرم الاول ؟ أي من الذي علم هذا الاخير أن يرتكب الجريمة؟19
ويطرح جيفيري صاحب نظرية الاستلاب الاجتماعي عدة انتقادات لهذه النظرية يمكن تلخيصها فيما يلي :
- نظرية الاختلاط التفاضلي لا تفسر الجرائم العاطفية الحديثة.
- لا تميز بين السلوك المنحرف و السلوك غير المنحرف لان كل منهما متعلم.
- لا تاخد بعين الاعتبار العامل النفسي للدافعية او نموذج الفعل الفارقي.
- لا تفسر النسبة الفارقية حسب العمر و الجنس و الانتماء الى جماعة أقلية.
رغم كل الانتقادات التي وجهت الى نظرية الاختلاط التفاضلي ، إلا انها تعتبر بحق من النظريات الرائدة في تفسير السلوك الاجرامي و المنحرف ، كما انها قامت على مجموعة من الفرضيات المترابطة بالإضافة الى تقاطع العديد من الدراسات الحديثة مع هذه النظرية في مجال الجريمة و الانحراف ، كيف لا وهي تعد اول نظرية اجتماعية تتناول مفهوم الجريمة من منطلق اجتماعي بحث بناء على وصف العلاقات الاجتماعية الذاتية المتداخلة من حيث تكرارها و استمراريتها وشدتها ، أو من حيث كمها او نوعها ،كما تعاملت هذه النظرية مع مفهوم انتقال الثقافة ،وهي تختلف تماما عن نظرية تارد .20
خاتمة :
ما يمكن الخروج به من خلال استعراض هذا المتن النظري ، الذي استطاع الى حد ما مقاربة و تفسير الظاهرة الاجرامية من منطلق اجتماعي ، أنه من خلال هذه الدراسات أعيد الاعتبار للعوامل الاجتماعية و دورها في تفسير عوامل الجريمة و هو الامر الذي تما التغاضي عنه ضمن ما يعرف بالاتجاه الفردي في تفسير الظاهرة الاجرامية ،وبهذا فإن هذه الدراسات المقدمة من خلال هذا العرض ستشكل المنطلق و الركيزة الأساسية لولادة و نشأة عدة دراسات مهمة ستغني حظيرة الإتجاه الاجتماعي في تفسير الظاهرة الإجرامية ، وهو ما يمكن ملامسته بعمق مع مدرسة شيكاغو.
باللغة العربية :
- أحمد لطفي السيد : مدخل لدراسة الظاهرة الإجرامية والحق في العقاب الجزء الأول ، الظاهرة الإجرامية { الإشكاليات البحثية – النظريات التفسيرية - العوامل الإجرامية } دون ذكر الطبعة والمطبعة السنة 2003-2004.
- أنتونيو غيدنز : علم الاجتماع ، ترجمة وتقديم الدكتور فايز الصياغ ، الطبعة الرابعة ، المنظمة العربية للترجمة السنة 2001 .
- د.مصطفى عبدالمجيد كارة ،مقدمة في الانحراف الاجتماعي ،الدراسات الاجتماعية و الانتروبولوجية ،الطبعة الاولى ، معهد الانماء العربي ،بيروت ،1985.
- صالح بن محمد آل رفيع العمري ، العودة الى الانحراف في ضوء العوامل الاجتماعية ،الطبعة الاولى ،أكاديمية نايف للعوم الامنية ،الرياض ،2002 .
- عبد الرحمان العيسوي سيكولوجية الجريمة والانحراف ، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية ، بدون ذكر السنة .
- عدنان الدوري و أحمد محمد أضبعية ، أصول علم الإجرام ، العلاقة بين الجريمة والسلوك الاجتماعي ، ط الأولى دون ذكر المطبعة السنة 1998 .
- علي محمد جعفر : الإجرام وسياسة مكافحته ، دار النهضة العربية ، بيروت 1993 .
باللغة الفرنسية:
- Carla Nagels ; Introduction à la criminologie générale ; (Cours donné par carrol tange) 2007- 2008
- carla nagels , »introduction à la criminolgie générale » ,cours donné par carrol tange,anné académique,2007/2008.
- renaud fillieule,sociologie de la délinquence , press univercitaire de France, 1 édition,2001.
- robert k.merton ; »social structure and anomie » , american sociological revied,1938.
- voir :émil durkheim, »le crime,phénomène normal »,publié dans déviance et criminalité ,textes réunis par devis szabo avec la collaboration d’andré normandeau,p.p
مواضيع مماثلة
» اعلان السنة الماضية لماستر الجريمة و المجتمع
» في مفهوم المجتمع المدني
» موضوع: عرض مفهوم القبيلة عند جاك بيرك
» مفهوم الحلقية في ابجديات الفعل الاحتجاجي
» في مفهوم المجتمع المدني
» موضوع: عرض مفهوم القبيلة عند جاك بيرك
» مفهوم الحلقية في ابجديات الفعل الاحتجاجي
منتدى علم الاجتماع مكناس :: سلك الماجيستر و الاجازة المهنية :: سلك الماجيستر :: ماستر الجريمة و المجتمع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين أغسطس 28, 2023 5:54 am من طرف sghiri
» نظرية النافذة المكسورة
الإثنين أغسطس 28, 2023 5:52 am من طرف sghiri
» تقرير عن ندوة المثقف و المجتمع بمكناس
الأربعاء نوفمبر 12, 2014 2:25 pm من طرف sumaya bakria
» الحكامة الأمنية
الثلاثاء أغسطس 12, 2014 5:02 pm من طرف sghiri
» ما السوسيولوجيا القروية؟
الإثنين فبراير 10, 2014 6:52 pm من طرف زائر
» أسئلة اختبارات علم الإجتماع .... من الفصل الأول إلى الرابع
الإثنين يناير 13, 2014 12:46 pm من طرف sghiri
» عرض في مادة انتروبولوجيا العالم الاسلامي 2009
الأربعاء ديسمبر 04, 2013 12:28 pm من طرف rachidov20
» موقع لتحميل الكتب في مجالات مختلفة
الثلاثاء ديسمبر 03, 2013 6:35 pm من طرف sghiri
» تحميل كتاب المراقبة والمعاقبة ميشيل فوكو
الجمعة نوفمبر 29, 2013 5:26 pm من طرف sghiri